Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
30 novembre 2012 5 30 /11 /novembre /2012 11:47

من أجل بناء اليسار الاشتراكي المناضل

 بقلم: غياث نعيسة أكتوبر 2006

 

الاصدار: أوراق اشتراكية الناشر: مركز الدراسات الاشتراكية

 

 إذا كانت كلمة يسار، بالمعنى العام والأدنى لها، تعني اليوم الاهتمام بالعدالة الاجتماعية ودوراً تدخلياً اكبر للدولة ،واحتجاجاً على مساويء النظام العالمي (العولمة الليبرالية الجديدة)، فإن البعض من مناضلي اليسار يسعى إلى إعادة قراءة أكاديمية للماركسية ، أو إعادة تعلمها أو إعادة النظر بها ..الخ. بيد أن مناضلي اليسار الاشتراكي النضالي ، بالرغم من نشاطهم في هذه الهيئات الاجتماعية أوتلك، لايزالون مشتتين . ما نريد طرحه لاحقاَ ،بشئ من التبسيط ، هو رؤية اشتراكية نضالية – أو إطار فكري عام وأساسي- تسمح بتحديد الرؤية الفكرية والسياسية التي يمكن أن يلتف حولها هؤلاء المناضلون ، وتسمح-لمن يتفق عليها- بالنضال المشترك وبناء "حالة" اشتراكية ثورية. هذه المباديء ليست من بنات أفكارنا وحدنا، إنها خبرة النضالات لآخرين في بلاد عديدة، وهي القواسم المشتركة لليسار الاشتراكي النضالي على الصعيد العالمي. هذه الأوراق هي إذن بمثابة دعوة للعمل المشترك من أجل بناء اليسار الاشتراكي النضالي ، على طريق بناء الحزب العمالي الاشتراكي.

 

 رؤية اليسار الاشتراكي النضالي

 

مر أكثر من عقد من الزمان على سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية. تم خلال هذه الفترة وصف تلك التجارب الدكتاتورية القميئة بكلمة "الاشتراكية". وتعرضت فكرة "الاشتراكية" إلى حملة شرسة من الإفتراءات والأكاذيب والتضليل . وسادت أيديولوجية الرأسمالية الظافرة، ومقولات أن الرأسمالية هي التاريخ المنجز للبشرية، ونهاية المطاف، ولا يمكن تجاوزها. وألقى العديد من "الماركسيين" السابقين وغيرهم، ممن كانوا يرون -والبعض لايزال- في تلك التجارب "اشتراكيات قائمة"، بالفكرة الاشتراكية إلى "مزبلة التاريخ" أو دفنوها ، وغَّير كثير منهم معاطفه للتحول إلى ليبراليين جدد. لكننا ننتمي إلى ذلك القسم من الاشتراكيين الذين لم يروا في تجارب الستالينية وأشباهها ودولها الدكتاتورية نموذجاَ للاشتراكية، بل رأينا في انهيارها انهياراً لأنظمة شمولية ومستبدة قامت على استغلال وقمع الطبقة العاملة والكادحين، كما هو الحال اليوم في الصين وكوريا الشمالية وكوبا. وبالتالي فالنضال اليوم من أجل الاشتراكية يقوم على النقيض منها. تمتد جذور الاشتراكية التي نتبناها إلى الثورات العديدة التي حصلت في القرنين الماضيين. من كومونة باريس 1871 والثورة الروسية 1917 والثورتين الألمانية والمجرية 1918 ، وإنتفاضات فرنسا 1968 وايطاليا 1969 وايران 1979 وإندونيسيا 1998 والأرجنتين 2001 وغيرها. وصولاَ إلى نضالات مناهضة العولمة الرأسمالية ومناهضة الحروب الإمبريالية. إنها الاشتراكية التي تقوم وتستند على كفاح العمال والمأجورين والمهمشين والمضطهدين من أجل التحرر من الاستغلال والاضطهاد، وعلى قدرتهم-هم أنفسهم- على التغيير الجذري من أجل بناء "عالم أفضل ممكن". وهي ليست مجرد أمنية طيبة أو طوبى رومانسية، بل هي إمكانية واقعية طالما يسود العالم نظام رأسمالي يقوم على مركزة الثروات والسلطات في يد حفنة من الرأسماليين على حساب غالبية من البشر الكادحين والمأجورين والمفقرين والمضطهدين. وإذا كانت الحياة -والواقع- يأتيان كل يوم بجديد ، فإن الأسس العامة- وبإختصار شديد- للاشتراكية التي نتبناها هي:

 

الرأسمالية نظام يعمل لمصلحة الأقلية المترفة في مواجهة مصلحة الأغلبية الكادحة

 

يقوم النظام الرأسمالي ، في جوهره، على الاستغلال وعلى نهب فائض القيمة من عموم العمال والكادحين ، ومصدر ثروة الأغنياء الطائلة هو قوة عمل وبؤس الفقراء . وتتراكم الثروة في جانب والفقر والجوع والبؤس في جانب اخر . وليست الليبرالية الجديدة التي بدأت تشهدها بلادنا سوى الشكل الأكثر توحشاَ لهذا النظام الرأسمالي العالمي . وهي نتاج أزمته ومحاولة وضع تكاليف هذه الأزمة ، مرة أخرى ، على كاهل الفقراء والمأجورين.

 

لا يمكن إصلاح الرأسمالية من داخلها

 

لاتزال لأفكار الإصلاحية سوق رائجة ، الكثير يتحدث عن التغيير وبعض الإصلاحات. ولكنهم منغمسون أساسا باستلام السلطة السياسية أو المشاركة فيها ، مع الحريات العامة ام لا، لكنهم يتفقون في الجوهر على نفس السياسات "الليبرالية" وإطلاق العنان لهمجية السوق. لكننا نعلم أن عصر الإصلاحات قد أفل ، وأن كلمة "الإصلاح" قد اختطفها غلاة الرأسماليين أو المسؤولون السابقون و"الراهنون"، وأصبحت على أيديهم تعني حرية السوق، ورفع دعم الدولة للمواد المعيشية الأساسية. إن من يدعو للإصلاح إنما يسعى لتجميل وديمومة نظام يقوم على الاستغلال والقمع. لأنه حتى أبسط الإصلاحات تحتاج إلى ثورة من أجل تحقيقها. في السابق كانت الرأسمالية الصاعدة تعطي الأرض لمن يفلحها ، وهي

اليوم تنتزع الأرض من الفلاحين لصالح كبار ملاكي الأراضي. ولتحقيق مصالح غالبية الكادحين فإنها فقط ثورة جماهيرية من أسفل يمكنها أن تحقق مطالب وآمال المضطهدين .

 

 الثورة الجماهيرية من أسفل ممكنة وضرورية

 

لا يمكن أن يحصل التغيير الجذري الحقيقي على يد أقلية مختارة أو بإنقلابات القصور أو الجيوش أو بوصول مستبد عادل للسلطة. التغيير الجذري المنشود لن يحدث إلا على يد الجماهير . وحده نضال الجماهير الجماعي والديمقراطي من أسفل هو الطريق إلى تحررها. وإذا كانت الرأسمالية تمتلك جهاز الدولة والقمع ، فالكادحين يملكون القدرة على النضال كاغلبية كاسحة لها مصلحتها في القضاء على نظام الاستغلال والقهر. ولأن الكادحون يملكون القدرة على تسيير الة الاستغلال الرأسمالي فإنهم يملكون القدرة على ايقافها ، وعلى الشروع في بناء عالم جديد. وتشكل الثورة صعود المأجورين والكادحين إلى مقدمة مسرح التاريخ ، وهي ذروة النضال الجماهيري من أسفل. والثورة تعني امساكهم لمصيرهم بايديهم وادارتهم المباشرة والديمقراطية لشؤون حياتهم. إنها الديمقراطية الأكثر جذرية.

 

الطبقة العاملة هي الطبقة القائدة للنضال الثوري

 

مما لا شك فيه أن الثورة ستكون عيداَ لكل المفقرين والمضطهدين. لكن من بينهم ، وفي عالمنا المعاصر، توجد طبقة واحدة قادرة على قيادة معسكر المضطهدين والمستغلين إلى النصر، إنها الطبقة العاملة. والطبقة العاملة ليست فقط عمال المصانع وإنما كل العاملين بأجر والخاضعين لسيطرة وسلطة رأس المال، سواء أكان عملهم في مصنع أم في أي مؤسسة إنتاجية أو خدمية أخرى. هذه الطبقة، بحجمها الهائل وبتنظيمها وحداثتها ومصالحها، قادرة على دخول الصراع إلى النهاية، وقادرة على شل حركة الرأسمالية ومصادر أرباحها ، لذلك فهي قادرة على تحقيق النصر لمعسكرها. فأغلال الرأسمالية يجب أن تحطم حيث توجد، أي في نظام استغلال العمل المأجور.

 

دولة العمال والكادحين هي الهدف المنشود

 

لن تتكلل الثورة بالنصر، إذا ما أزيح حاكم رأسمالي ليحل مكانه حاكم رأسمالي آخر. فانتصار الثورة له معنى واحد فقط هو نهاية كل أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد. ينبغي أن يكون هدف الثورة هو تحطيم جهاز الدولة الرأسمالي وإقامة ديمقراطية عمالية. دولة العمال هي دولة الديمقراطية المباشرة حيث يشارك الكادحون، من خلال مجالسهم العمالية المنتخبة في كل موقع ومكان، في تقرير مصيرهم وفي إدارة المجتمع بموارده وثرواته سياسياَ واقتصادياَ.

 

 لا بد للثورة من أن تحرر كل المضطهدين والمقهورين

 

الثورة ليست عملاَ جزئياَ ، بل هي تحرير شامل وكلي . فلا بد للنضال العمالي الظافر أن يتبنى مصالح كل المضطهدين والمقهورين. ولا بد من مواجهة حازمة لكل أشكال تقسيم الطبقة العاملة على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو اللون. والطريق الوحيد لذلك هو النضال العمالي الاشتراكي الحازم من أجل تحرر المرأة والقوميات (ونخص هنا الحقوق القومية للشعب الكردي وغيره من الأقليات القومية) والأقليات المضطهدة من كل صنوف التمييز و الظلم والقهر والهيمنة، والدفاع عن مصالحها وحقوقها في المساواة الكاملة. الاشتراكية الحقة هي التي تحرر كل المظلومين.

 

لا توجد اشتراكية في بلد واحد

 

النضال من أجل الاشتراكية هو جزء من نضال عالمي. فالنظام الرأسمالي سلسلة واحدة منتظمة في سوق عالمي واحد. لا يمكن أن تحيا وتستمر ثورة اشتراكية في بلد واحد، لذلك فإن الثورة العالمية ليست ترفاَ أو عملاَ ثانوياَ، بل هي في الصميم من الإستراتيجية الثورية الظافرة. فإنتشار الثورة، وأساس إمكانيته هو وحدة العالم ووحدة أزمته. وهو لا بد أن يكون هدفاَ اصيلاَ لأي نضال ثوري محلي. والأممية الثورية هي الرد المنطقي الوحيد على مخططات مجالس إدارات العالم في قمة الثمانية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الرأسمالية العالمية.

 

الحزب الاشتراكي العمالي النضالي ضرورة للتغيير

 

بالتأكيد الثورة ليست نزهة ، فالطبقة الحاكمة موحدة ومنظمة. ويشكل جهاز الدولة عقلاَ وجهازاَ إدارياَ رفيع المستوى للحكم. لذلك فإن نضالات الجماهير الكادحة بحاجة إلى عقل وإلى ذاكرة وجهاز تنظيمي منغرس داخلها، ينخرط في مقدمة نضالاتها، ويقف ضد تفاوتات وعيها وتذبذب حركتها. الحزب العمالي الاشتراكي النضالي والمستوعب لخبرة التاريخ ولخبرة طبقته هو من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة. هكذا حزب لا يأتي من السماء، بل يبنى بالكفاح الدؤوب والصبر والعمل. ولا بد أن يكون بناؤه هدفاً لكل مناضل من أجل العدل والحرية .. من أجل الاشتراكية.

 

 النضال ليس سهلاَ ولكنه اليوم ممكن

 

يعج عالمنا اليوم بإمكانيات كبيرة للمناضلين من أجل العدل والحرية لأننا نعيش عصر الاستقطابات في أعلى صوره. فقد بدأت الليبرالية الجديدة في الكشف عن وجهها القبيح، وأظهرت إمبريالية ما بعد الحرب الباردة أنيابها. وبدأت تتبدد كل أوهام مطلع التسعينيات، فالسلام إلإمبريالي ذهب ادراج الرياح مع الحروب الإمبريالية المتواصلة. والاستقرار الرأسمالي تحول إلى مزحة سخيفة، فبلدان النمور بدأت تعاني الأزمات، وانهار اقتصاد الأرجنتين، ولم نشهد ازدهارا اقتصاديا شاملا من نوعية الذي صاحب نهاية الحرب العالمية الثانية ...الخ. في المقابل، نرى اليوم الصعود البارز لحركات مناهضة العولمة الرأسمالية والحروب الإمبريالية، والصعود الملحوظ لحركات التحرر الوطني. وإذا كانت منطقتنا اليوم ساحة لليبرالية الجديدة بكل همجيتها وميداناً لتعزيز الهيمنة الإمبريالية الأمريكية عالمياَ. فإنها أيضا تغلي بحمى التغيير. والمنطقة مقبلة على زلازل. في هذا السياق ،فإننا نرى بأن على النضال الجماهيري من أسفل، والاشتراكية كبديل، أن يحفرا لنفسيهما طريقاَ وأن يكسبا مواقعا. وهذا أمر ممكن وهو أيضا ضروري ، وشرطه هو الانخراط في النضالات اليومية ورفع راية التحرر والاشتراكية في كل ساحة ومجال.

Partager cet article
Repost0

commentaires