استخلص "المركز السوري لبحوث السياسات"، نتائج مؤلمة إضافية في ثالث تقاريره الربعية لمتابعة وتقييم آثار الأزمة الحالية على الحالة الاجتماعية والاقتصادية للسوريين.
ويغطي التقرير، بدعم من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الفترة الواقعة بين تموز وكانون الأول العام 2013.
وذكر التقرير أنه من الناحية الاقتصادية أدت الأزمة إلى خلق "قواعد اقتصاد سياسي جديد يطيل من أمد النزاع"، مشيرا في الوقت ذاته إلى تنامي البطالة بما يزيد عن 50 في المئة وارتفاع الدين العام إلى 137 في المئة، وإلى تحول اللاجئين السوريين إلى أكثر تجمع لاجئين في العالم.
وأشار التقرير إلى "تفكك كبير لبنية القطاع الصناعي، وإغلاق وإفلاس الكثير من المشاريع وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، إضافة إلى عمليات النهب والسلب للأصول المادية"، وأيضا "تشوه المؤسسات نتيجة تشكل اقتصاد سياسي جديد يتسم بانتشار اقتصاديات العنف، التي تنتهك حقوق الإنسان والحريات المدنية وحقوق الملكية وسيادة القانون، وظهور نخبة سياسية واقتصادية جديدة، تستغل ظروف الأزمة للإتجار بالسلاح والسلع والبشر من خلال شبكات غير شرعية عابرة للحدود، وتنخرط هذه النخبة في عمليات النهب والسرقة والخطف واستغلال المساعدات الإنسانية".
ومن الناحية الرقمية، يذكر التقرير بلوغ الخسائر الاقتصادية الإجمالية، نتيجة الأزمة لغاية نهاية العام 2013، بحوالي 143.8 مليار دولار أميركي، وتعادل الخسارة بالأسعار الثابتة 276 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010.
أما على المستوى الاقتصادي الإنتاجي فقد "انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 38.2 في المئة في الربع الثالث من العام 2013، فيما انكمش بمعدل 37.8 في المئة في الربع الرابع للعام نفسه، ليكون إجمالي خسائر الناتج المحلي الإجمالي منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام 2013 نحو 70.88 مليار دولار أميركي، منها 16.48 ملياراً سجلت في النصف الأخير من العام 2013".
وبالطبع أدت الأزمة إلى تغير تركيب الناتج المحلي الإجمالي كثيراً، حيث شكل القطاعان الزراعي والخدمات الحكومية حوالي 50 في المئة من الناتج خلال العام 2013، بعدما كانا يشكلان في العام 2010 ما يعادل 30.4 في المئة من الناتج المحلي.
وعلى مستوى الدين العام، يسجل التقرير تفاقم هذا الدين في النصف الثاني من العام 2013، حيث استوردت الحكومة النفط والسلع الأساسية لمواجهة نقص العرض في السوق المحلية، واستمرت بدعم بعض أسعار السلع والخدمات الأساسية. ومع نهاية العام 2013 وصل الدين العام الإجمالي إلى 126 في المئة من الناتج، حيث تزايد الاعتماد كثيرا على الاقتراض الخارجي، وخاصة من إيران.
كما يشير التقرير إلى انكماش الاستهلاك العام، أمام ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والأجبان والبيض بمعدل 360 في المئة.
أما من ناحية التشغيل، فذكر التقرير أن معدل البطالة وصل إلى 54.3 في المئة، أي أن 3.39 ملايين شخص عاطل من العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 11.03 مليون شخص.
أما من الناحية الاجتماعية، فرأى التقرير أن النزاع المسلح أدى إلى "هدر الإنسانية" في سوريا، كما تعرضت خريطة توزع السكان إلى "إعادة تشكل جذرية مكانية، حيث غادر سوريا 12 في المئة من سكانها مع نهاية العام 2013. كما أن حوالي نصف السكان (45 في المئة) تركوا مكان إقامتهم المعتاد. وكان حوالي ثلث السكان (5.99 ملايين شخص) قد نزحوا من منازلهم، بزيادة قدرها 1.19 مليون نازح خلال النصف الثاني من 2013. كما غادر البلاد 1.54 مليون شخص كمهاجرين، إضافة إلى 2.35 مليون شخص كنازحين. وفي إطار هذا الحراك السكاني المأساوي، فإن 63 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم 540 ألف نسمة، غادروا منازلهم، منهم 75 ألف شخص ترك البلاد كلاجئ و270 ألف نزح داخل سوريا. بالنتيجة، أصبح اللاجئون من سوريا أكبر مجتمع لاجئين في العالم".
وغدت سوريا بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية العام 2013، وأكثر من نصف السكان (54.3 في المئة) يعيشون في حالة الفقر الشديد، حيث لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية.
أما التعليم فتخلخل نظامه في سوريا نتيجة الأزمة، مع وصول نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي، من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية، إلى 51.8 في المئة، وتصل هذه النسبة إلى أكثر من 90 في المئة في الرقة وحلب وإلى 68% في ريف دمشق. وبلغ عدد المدارس التي خرجت من الخدمة أربعة آلاف مدرسة نهاية العام 2013، وذلك نتيجة للتدمير المباشر الكلي أو الجزئي أو لاستخدامها كمراكز إيواء.
وفيما تعتبر خسارة الأرواح البشرية أكثر جوانب النزاع مأساوية مع ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الأزمة بمعدل 30 في المئة خلال النصف الثاني من 2013، فإن أعداد الجرحى تقدر بحوالي 520 ألف شخص، أي أن ما يعادل 3 في المئة من السكان قد تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوه.
ويشير التقرير إلى ما يسميه "تزعزع الهوية السورية" متأثرة بسياقين متناقضين "الأول تضميني، متمثل بالحراك المجتمعي الساعي لمجتمع تسوده حقوق المواطنة والعدالة، والثاني إقصائي يدفع باتجاه العصبيات والهويات والولاءات ما قبل الوطنية".
-----------------------------------------
144 مليار دولار خسائر سوريا الاقتصادية
وقدّر المركز البحثي المستقل إجمالي الخسائر الاقتصادية التي منيت بها سوريا في السنوات الثلاث الأولى من عمر الأزمة بنحو 143.8 مليار دولار، أي ما يعادل بالأسعار الثابتة 276% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2010.
وحسب التقرير فإن خارطة توزع السكان «تعرضت لإعادة تشكل جذرية مكانية، حيث غادر سوريا 12% من سكانها مع نهاية عام 2013، كما أن حوالى نصف السكان (45%) تركوا أماكن إقامتهم المعتاد».
كذلك فإن «63% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، البالغ عددهم 540 ألف نسمة، غادروا منازلهم، منهم 75 ألفاً تركوا البلاد كلاجئين، و270 ألفاً نزحوا داخل سوريا. وبالنتيجة أصبح اللاجئون من سوريا أكبر مجتمع لاجئين في العالم».
ملامح الكارثة الاجتماعية تتضح أكثر مع تأكيد التقرير أنّ سوريا «غدت بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية عام 2013، وأكثر من نصف السكان (54.3%) يعيشون في حالة الفقر الشديد، حيث لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، كما أن 20% يعيشون في حالة من الفقر المدقع، أي لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة، حيث ينتشر الجوع وسوء التغذية...»، فيما لا تزال «خسارة الأرواح البشرية أكثر جوانب النزاع مأساوية، مع ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الأزمة بمعدل 30% خلال النصف الثاني من عام 2013، ليصل إلى 130 ألف قتيل مع نهاية عام 2013. كذلك تقدّر أعداد الجرحى بحوالى 520 ألف شخص، أي إن ما يعادل 3% من السكان تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوه...»، إضافة إلى التدهور الحاد في أداء التعليم والصحة والدخل، الذي جعل سوريا تتراجع أربعة عقود إلى الوراء في مستوى التنمية البشرية.

2.67 مليون مواطن سوري فقدوا عملهم خلال أعوام الأزمة
ويتهم التقرير صراحة ما يسميها قوى التسلط المتمثلة في «الاستبداد، العصبية، والأصولية» بالعمل على «تعزيز مواقعها، معتمدة على العنف لتسخير الأزمة الإنسانية والتنموية لمصلحتها تاركة السوريين يكافحون من أجل البقاء».
أما في جانب الآثار الاقتصادية للأزمة، فإن التقرير يشير إلى انتشار ظاهرة «اقتصادات العنف»، فالنزاع المسلح أدى إلى «تشوّه المؤسسات نتيجة تكوّن اقتصاد سياسي جديد، يتسم بانتشار اقتصادات العنف، التي تمتهن حقوق الإنسان والحريات المدنية وحقوق الملكية وسيادة القانون، وظهور نخبة سياسية واقتصادية جديدة، تستغل ظروف الأزمة للإتجار بالسلاح والسلع والبشر من خلال شبكات غير شرعية عابرة للحدود...».
وفي وقت شهدت فيه بنية القطاع الصناعي تفككاً كبيراً وإغلاقا وإفلاسا للكثير من المشاريع، وهروبا لرؤوس الأموال إلى الخارج، إضافة إلى عمليات النهب والسلب للأصول المادية، فإن الأزمة أدت «إلى تغير تركيب الناتج المحلي الإجمالي على نحو كبير، حيث مثل القطاعان الزراعي والخدمات الحكومية حوالى 50% من الناتج خلال عام 2013، بعدما كانا يمثلان عام 2010 ما يعادل 30.4% من الناتج المحلي، إذ تعرضا لخسائر أقل نسبياً من بقية القطاعات».
في ضوء هذه المتغيرات البنيوية السلبية، كان من الطبيعي ارتفاع معدل البطالة إلى حدود يقدرها التقرير بنحو 54.3%، أي إن هناك اليوم في سوريا ما يقرب من «3.39 ملايين شخص عاطل من العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 11.03 مليون شخص».
ومع استمرار ارتفاع معدل الإنفاق العام، والتراجع الكبير في الإيرادات والإنتاج المحلي، فإن الدين العام في النصف الثاني من عام 2013 تفاقم ليصل مع نهاية العام الماضي إلى نحو 126% من الناتج، «حيث استوردت الحكومة النفط والسلع الأساسية لمواجهة نقص العرض في السوق المحلية، واستمرت في دعم بعض أسعار السلع والخدمات الأساسية».