Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
18 octobre 2013 5 18 /10 /octobre /2013 10:22
الثورة في سوريا خلف خطوط المواجهة
نقلا عن موقع المنشور
يسقط كل شيء | فرح أبو عسلي | الفن والحرية
الكاتب: ياسر منيف.
ترجمه‫/ الى العربية‫:‬ وليد ضو      
المصدر‫:‬ socialist review      

‫منبج المدينة الريفية والفقيرة يعيش فيها ٢٠٠ ألف شخص تقع في شمال شرقي سوريا. المدينة يمكن الوصول إليها خلال نصف ساعة بالسيارة من الحدود مع تركيا ومن سد تشرين الحيوي. وتتمركز وسط المناطق الزراعية التابعة لمحافظة حلب، وتحتوي على أكبر المطاحن في المنطقة، وتطحن يوميا حوالي ٥٠٠ طنا من الطحين. لذا السيطرة عليها هو أمر حيوي بالنسبة للثورة السورية.‬

‫وكانت منبج أولى المدن التي حررت نفسها ‬من سيطرة نظام بشار الأسد. فقرها، وتهميشها الاقتصادي، أصبحا ميزة عندما تحولت الثورة السلمية إلى انتفاضة مسلحة. وخلافا لغيرها من المدن، لم يطوق النظام هذه المدينة بالقواعد العسكرية.

قصة الثورة السورية كتبت من خلال الأحداث الصاخبة التي شهدتها المدينة قبل اندلاع الربيع العربي. إنها قصة النضال من للتخلص قوات الأسد، من أجل أن يحل مكانها رقابة شعبية فعالة، بدأ صراع جديد من القوى الثورية والتنظيمات الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة.

في منبج، أتيحت لي الفرصة لمراقبة هذه الثورة، وكيف يحاول الناس العاديون تنظيم وإدارة مدينتهم في ظل ظروف بالغة الصعوبة. لقد كتب الكثير عن تأثير العوامل الجيوسياسية على الثورة، فضلا عن المعارك الجارية داخل سوريا، ولكن لا أحد يعرف إلا القليل عن النضالات اليومية، التي تشكل جزءا مخفيا من الثورة.

منبج بعيدة عن الخطوط الأمامية، لذلك لم تشهد قتالا عنيفا كما هو الحال في بقية أجزاء البلاد، لكنها لا تستطيع النجاة من انتقام النظام. فالطائرات الحربية تهاجم باستمرار البنية التحتية المدنية في المدينة كما لو أنها تخشى من تهديد تطور المؤسسات المدنية التي يمكن أن تحل مكان مؤسسات النظام.

الثورة لا تجري فقط في ساحات المعارك، ولكنها أيضا معركة سياسية حيث على الثوار أن يثبتوا عمليا أنهم يستطيعون حكم سوريا. النظام يخشى من نهوض هذه المؤسسات بمقدار خشيته من الكتائب الثورية.

لقد تحدثت مع العديد من قادة الثورة، فضلا عن مواطنين عاديين الذين يشاركون في هذه الثورة. قالوا لي أنهم في الأيام الأولى من الثورات كانوا يتابعون عن كثب الأخبار الآتية من تونس ومصر. وأنهم بدأوا بالتفكير كيف يمكن للربيع العربي أن يصل إلى سوريا، مع علمهم أن نظام بشار الأسد عنيف للغاية.

وأشار العديد من الناشطين إلى أنهم أمضوا وقتا في المعتقلات قبل تحرير المدينة وذلك خلال الأيام الأولى من بدء الاحتجاجات السلمية. وأصبحت سجون النظام مكانا للتعلم. فاجتمع نشطاء من مختلف أنحاء البلاد في زنازين مزدحمة، وتبادلوا خبراتهم ومعارفهم، وتكونت الشبكات التي تشكل أساسا مهما في بناء منظمات ثورية وطنية وإقليمية في المستقبل.

العديد من سكان منبج الأصليين اغتنموا الفرصة للعودة إلى مدينتهم الأم عند اندلاع الربيع العربي. فجاء البعض منهم من دول مثل اليمن، أو تركوا حياتهم المريحة في دول الخليج. وعاد آخرون إلى المدن السورية الرئيسية. أرادوا جميعهم أن يكونوا جزءا من الثورة.

ثورة
كانت المظاهرات الأولى صغيرة جدا، فالقوات الأمنية كانت منتشرة في كل أرجاء البلدة. واضطر العديد من الثوار إلى الانتقال للقرى والمدن القريبة للمشاركة في المظاهرات هناك، لأن الظروف في منبج كانت صعبة. الهدف الأول لهذه المظاهرات كان تماثيل وصور الأسد ووالده، إضافة إلى غيرها من رموز النظام.

وعندما أصبح القمع على امتداد سوريا أكثر قسوة، امتلأت منبج بأعداد هائلة من اللاجئين. ولكن روح الثورة كانت قوية للغاية. في بعض الحالات انتقلت بعض العائلات إلى بيوت أقاربها مفسحة المجال أمام المهجرين للسكن في بيوتها. وتشارك الناس كميات الطعام القليلة الموجودة لديهم، وكان الناس يتواصلون مع بعضهم البعض ويتبادلون يد العون.

نظم الثوار "المظاهرات الطيارة" على الدراجات النارية، وعبر رمي المسامير على الطرقات لتعطيل حركة مركبات قوات الأمن التي تلاحقهم. استمرت هذه المرحلة لمدة سنة تقريبا حيث ازداد فيها زخم الثورة وانتشر تأثيرها في العديد من الأحياء الشعبية. وعندما نمت الثورة في كل أنحاء سوريا، انتشرت في منبج المظاهرات الصغيرة، وبلغ عدد متظاهري إحداها ١٠ آلاف شخص.

وجرى تشكيل مجلس ثوري سري لتنسيق أعمال المقاومة في جميع أنحاء المدينة إضافة إلى المناطق الزراعية المحيطة بها. ووزع المجلس المسؤوليات التي تراوحت بين الاهتمام باللاجئين والتواصل مع مختلف الأحزاب السياسية… وقد جرى اختيار هذا المجلس من التنسيقيات، وهي شبكة من النشطاء التي نشأت في أحياء مختلفة في بداية الثورة.

عمل المجلس في ظل ظروف صعبة، مع أعضاء رائدين فيه سجلوا بين أعداد الشهداء، أو مع أشخاص غادروا المدينة خلال الملاحقات. لهذه الأسباب حافظ أعضاء المجلس على سرية أعمالهم عن بعضهم البعض. وقد كان ذلك تكتيكا فعالا.

خلال هذه الفترة، تشكلت شبكة ضخمة من اللجان الشعبية في جميع الأحياء، إذ بلغ عددها ٥٣ لجنة في المدينة، وذلك للتحضير للمقاومة الشعبية المسلحة. لم يحصل المجلس الثوري إلا على أعداد قليلة من البنادق والرشاشات، وانتهى الأمر بأن حمى الكثير من السكان مناطقهم بالعصي والسكاكين. وكانوا على قناعة بأنه عليهم مواجهة هجمات القوى الأمنية وفرق الشبيحة.

ولكن بحلول شهر حزيران ٢٠١٢، انسحبت قوات الأمن بكل بساطة، وأعلن عن تحرير المدينة. بعض عناصر القوى الأمنية الذين لم يشاركوا في حملات القمع انشقوا، وفعل الأمر عينه العديد من موظفي الدولة وتقنييها- الضروريين لإعادة تشغيل مطاحن القمح. في ذلك الصيف عاشت عدة مدن وقرى التجربة نفسها، وشعر الكثير من الناس أن النظام على وشك الانهيار.

معارك داخل الثورات
وكانت الأيام التي تلت التحرير مليئة بالخوف كما كانت تشير التوقعات. وكان الناس غير متأكدين من الذي سيحدث، واعتقدوا أن حالة من الفوضى والنهب ستعم. ولكن الوضع كان هادئا. فاللجان المحلية كانت فعالة في حماية الإدارات العامة. بعد التحرير، خرج المجلس الثوري إلى العلن، ولكن افتقر أعضاؤه إلى المهارات اللازمة لإدارة المدينة. فكان عليهم أن يتعلموا ذلك، ومن خلال ما توفر لهم من أدوات. وكانت المهمة الأساسية هو تأمين مطاحن القمح وإعادة تشغيل المخابز.

تلقى الثوار القليل من المساعدات الخارجية، وقد كانت مساعدات المعارضة "الرسمية" الخارجية مدعاة سخرية. ولا يزال بعض موظفي الدولة يتلقون رواتبهم من الحكومة، ولكن ذلك بدأ بالتراجع. وحاولوا في البلدة جمع الأموال من السكان الذين يعانون في الأصل من مدخول قليل وأغلبهم يعيش تحت خط الفقر.

واحدة من المشاكل المستمرة كانت الحفاظ على البنية التحتية. في كثير من الأحيان أدى هذا النقص إلى توترات بين عدة مناطق. فعلى سبيل المثال، هناك شاحنة واحدة قادرة على إصلاح أعطال الشبكة الكهربائية في مدينة الرقة.

وتردد الناس في دفع فواتير المياه والكهرباء، بسبب قلة مواردهم المالية، في حين حاول القادة الثوريون إيجاد الأموال اللازمة لدعم سعر الخبز، وهذا ما بدأ بالتغير مع إطلاق حملة للطلب من الناس المساهمة بمبالغ رمزية.

صحيح أن المجلس الثوري قد وقع بعجز مالي، وكان قليل الخبرة في البداية، وكان الناس يحملونه المسؤولية لكونه غير فعال. ولكن الواقع كان صعبا للغاية بالنسبة إلى المجلس. وبدأت هذه الصعوبات بالتزايد، عندما ظهر مجلس منافس.

وجرى تشكيل هذا المجلس من قبل عدد من التنسيقيات، من بينها النقابات المهنية كالأطباء والمحامين والصحافيين. كما انضم إليه أولئك الذين لم يمثلوا في المجلس الثوري.

وكانت المشكلة أن العديد من الناس الذين عملوا مع المجلس المنافس لم يكونوا جزءا من الثورة وحتى أنهم كانوا خائفين من العمل مع الجسم "الثوري" خوفا من عودة النظام. المجلس المنافس كان يناور، على أمل الاستفادة من الصعوبات المحلية وذلك بهدف انتزاع السلطة من المجلس الثوري. وتوصل الثوار إلى تسوية معه، لكنه رفضها.

الثوار ما زالوا يتلقون دعما من كتائب الجيش السوري الحر، وكذلك لا زال يسيطر على مطاحن القمح والمخابز، ويعمل على معالجة المياه والمرافق الأساسية الأخرى، وعندما جرى تشكيل مجلس إقليمي، أصرت بقية المدن المحررة على أن تتمثل مدينة منبج من خلال مجلسها الثوري. وهكذا فشلت محاولة المجلس المنافس للسيطرة.

وبعد أشهر من النزاع أنشئ مجلس أمناء، يتألف من ٦٠٠ ممثل عن العشائر ومن الأكراد وغيرهم.

أعطى هذا التمثيل الواسع شرعية والسلطة الكاملة إلى شرطة المدينة، فضلا عن زيادة الضرائب. والمؤسف أن كامل أعضائه من الذكور، وهذا يعكس تقليدية الريف السوري، على الرغم من الدور الفعال الذي تلعبه المرأة داخل الثورة. بعض النساء يناضلن للحصول على تمثيلهن، لكن محاولتهن لم تنجح حتى الآن.

الفساد والإسلاميون
بتحول الثورة إلى مواجهة مسلحة، سارع الآلاف من الثوار للانضمام إلى الخطوط الأمامية في حلب ودمشق وفي أماكن أخرى. وأصبحت كتائب الجيش السوري الحر فعالة في القتال ضد النظام. ولكنها تركت المدينة لكتائب أخرى ظهرت فيها، والتي ترتبط ببعض العشائر والعائلات الكبيرة وهي خارج سيطرة المجلس الثوري.

أصبحت تلك الكتائب تعرف بـ"كتائب الخبز" لأنها كانت تتخطى صفوف المواطنين الذين ينتظرون دورهم أمام المخابز. في الواقع، كانت إما فاسدة، أو عصابات إجرامية، وباتت تسبب مشكلة حادة. وأقامت نقاط تفتيش لابتزاز السكان المحليين وفرض الخوات على التجار، ولجأت في بعض الأحيان إلى الخطف.

وكان المجلس الثوري يفتقر إلى الأموال لدفع رواتب رجال الشرطة، أو لإصلاح البنية التحتية المتضررة من هجمات النظام الجوية، ولا يمكنه الاعتماد على كتائب الجيش السوري الحر لأنها كانت على الجبهات الأمامية. فشعر السكان المحليون بالاحباط لتردي الحالة الأمنية والسلوك المريب لكتائب الخبز وتنامت شكوكهم.

كل ذلك، خلق قلقا عميقا، فترك العديد من الشباب الكتائب المحلية إلى منظمات إسلامية أكثر كأحرار الشام، أو إلى منظمة متشددة كجبهة النصرة، وفي بعض الحالات إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). فدخلت المنظمات الإسلامية إلى منبج لإخراج الكتائب الفاسدة، وبنت سمعتها بين الناس بأنها غير فاسدة. ولكن تراجع نفوذها بين الناس لأنها حاولت فرضت أجندتها عليهم.

استقر أحرار الشام وجبهة النصرة في المدينة. وعندما حاول مقاتلو أحرار الشام السيطرة على المطاحن ثار الناس ضدهم.

ونظمت عريضة احتجاجية وقع عليها الآلاف من الناس، حيث طالبوا بإعادة السلطة إلى مجلس الأمناء، وهذا ما حصل. كما أن السيطرة على المدارس أثارت توترا. حيث حاول المدرسون النهوض بالنظام التعليمي - لأن ٢٠ بالمئة من التلامذة فقط استأنفوا تعليمهم، فوجدوا أنفسهم بمواجهة هذه الميليشات.

وعندما ظهر تنظيم داعش التابع لتنظيم القاعدة، أرادوا السيطرة على المساجد، ولكن المدينة ورجال الدين رفضوا ذلك، في النهاية سمحوا لهم بالسيطرة على مسجدين. في إحدى المرات، توجه مقاتلو داعش (المعروفة أيضا باسم "الدولة") إلى مسجد خلال أداء صلاة الجمعة وطلبوا من الإمام النزول عن المنصة والسماح لهم بإلقاء الخطبة.

وعندما رفض الإمام هذا الطلب خطفوه. فأثار ذلك اضطرابا بين السكان، وفي نهاية المطاف أفرجت عنه داعش. وبعد بضعة أسابيع اغتيل، مما أثار موجة عارمة من المظاهرات الغاضبة المطالبة بطرد داعش من المدينة.

أجبرت داعش على تفكيك نقاط التفتيش التابعة لها، وانسحبت من المشهد العام، ولكنها لا تزال تشكل خطرا خاصة بالنسبة إلى الصحافيين والناشطين والثوار. محاولة التنظيمات الإسلامية لفرض سيطرتها تشكل اختبارا قاسيا للثورة، وهي تقوم بهذه المحاولة في بقية المناطق المحررة. المعارك داخل منبج حفزت المجلس الثوري على إعادة بناء مكانته بين السكان المحليين.

واقعية
على الرغم من حالة المراوحة المسيطرة على المواجهة المسلحة، لا زال سكان منبج يشعرون بالتفاؤل، بالإضافة إلى كونهم واقعيين جدا. وكان أداء التنسيقيات الثورية جيد جدا على المستوى المحلي، لكنها لم تكن قادرة على تعميم هذا النجاح على المستوى الإقليمي أو الوطني.

هذا الأمر يشكل نقطة ضعف جدية. فقد دعيْتُ إلى حضور اجتماع إقليمي في مدينة حلب، حيث كانت المجالس المحلية تحاول تطوير بنى فعالة، وإقامة نظام للمحاكم والسجون، وتقاسم الموارد في حال كان التمويل متوفرا.

على الرغم من أن النظام "نجح" في مواجهة الثورة، وحشد قاعدة تدعمه بالإضافة إلى ميليشياته الخاصة، لا زال الأمل مسيطرا على الناس الذين التقيت بهم. وقد يبدو ذلك مستغربا، حيث أن الصورة التي نحصل عليها من خارج سوريا، غير واعدة. على أرض الواقع يشعر الناس أنهم انتصروا على عدة جبهات، باستثناء النكسات التي تعرضت لها مدينة حمص ومحيطها.

بالنسبة لكثير من ثوار منبح وغيرها من المناطق، القضية الملحة هي كيفية مواجهة المنظمات المرتبطة بالقاعدة. وفي هذه الأيام تشارك كتائب منبج التابعة للجيش السوري الحر في معارك مع النظام وهي مترددة لفتح جبهات جديدة.

ولكن المواجهة قادمة، حيث أصيب السكان بمزيد من الإحباط مع محاولات هذه المنظمات لسرقة الثورة. وعل الرغم من الدمار والمعاناة فإن الناس يشعرون بثقة أن النظام لن يعود أبدا إلى المناطق المحررة.

--

الرحلة البحثية ممولة من المجلس العربي للعلوم الاجتماعية. البرنامج يدرس حياة اللاجئين السوريين، ونضالات الشعب داخل سوريا.

Partager cet article
Repost0

commentaires