Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
21 septembre 2013 6 21 /09 /septembre /2013 17:10
روزا لوكسمبورغ والمسألة الوطنية
Monument to Rosa Luxemburg | El Lissitzky
الكاتب: توني كليف.
ترجمه‫ الى العربية‫:‬ وليد ضو      
المصدر‫:‬   المنشور    

روزا لوكسمبورغ، القائدة في حزب العمال ببولندا، البلد الذي تتقاسمه ثلاث امبراطوريات- روسيا وألمانيا والنمسا- وجدت من الضروري اتخاذ موقف واضح بشأن المسألة الوطنية. وقد اتخذته بالفعل منذ عملها على بحثها الأول عام ١٨٩٦، التنمية الصناعية في بولندا، حتى نهاية حياتها، على الرغم من صراعاتها الحادة مع لينين حول هذا الموضوع.

وكان موقفها هذا يشكل استمرارية وابتعادا في الوقت عينه عن مواقف ماركس وإنجلز حول المسألة الوطنية، ولكي نفهم ذلك بشكل صحيح، من الضروري إلقاء نظرة- ولو عابرة- على موقفهما من هذه المسألة.

عاش ماركس وإنجلز مرحلة صعود الرأسمالية، وهي فترة شهدت الثورات الديمقراطية البرجوازية. وكانت الدولة القومية هي إطار الديمقراطية البرجوازية، وكان واجب الاشتراكيين، وفقا لهما، كان النضال "بالتحالف مع البرجوازية ضد الملَكية المطلقة والإقطاعية والبرجوازية الصغيرة" (1). واعتبروا عام ١٨٤٨ أن العدو الأكبر لكل الثورات الديمقراطية، هو روسيا القيصرية، والعدو الثاني هو ملَكية هابسبورغ. وكانت روسيا المسيطرة على بولندا على رأس حملة قمع الثورة الديمقراطية بقيادة لويوش كوشوت في هنغاريا عام ١٨٩٤، كما منعت روسيا والنمسا، سواء عبر التدخل المباشر أو غير المباشر في الشؤون الداخلية للألمان والإيطاليين، التوحيد الكامل لهاتين الدولتين. ماركس وإنجلز دعما جميع الحركات الوطنية المناهضة للحكم القيصري والهابسبورغي. وفي الوقت عينه، عارضا الحركات الوطنية التي كانت ألعوبة بيد القياصرة والهابسبورغيين.

وكان لاستقلال بولندا تداعيات ثورية عظيمة، بحسب قول ماركس وإنجلز. أولا، لأن ذلك سيؤدي إلى نشوء حاجز يفصل بين الجمهوريات الثورية الديمقراطية في غرب ووسط أوروبا، وبين روسيا "شرطية أوروبا". ثانيا، إن إمبراطورية هابسبورغ، المهتزة بفعل الانتفاضة الوطنية للبولنديين، ستنهار بفعل تتابع الانتفاضات الوطنية في الدول الأخرى، وبالتالي ستتحرر هذه الأخيرة، بحيث يمكن للنمسا الألمانية أن تتوحد مع بقية ألمانيا، وهذا سيشكل الحل الثوري الديمقراطي الأكثر اتساقا للمسألة الألمانية. ثالثا، إن استقلال بولندا يشكل ضربة حادة لليونكرز [النظام الإقطاعي] في بروسيا، وبالتالي ستعزز النزعات الثورية الديمقراطية في كل ألمانيا.

ودعا ماركس وإنجلز كل الحركات الديمقراطية في أوروبا لشن حرب على روسيا القيصرية، العدوة الأساسية لكل تقدم. كما طلبا من الحركة الثورية في ألمانيا أن تحمل السلاح من أجل تحرير بولندا. ومن شأن الحرب الديمقراطية ضد القيصرية أن تحمي استقلال بولندا وألمانيا، وأن تسرع سقوط الملكية المطلقة في روسيا وأن تعطي دفعا قويا للقوى الثورية في جميع أنحاء أوروبا.

دعم ماركس وإنجلز الحركات الوطنية في بولندا وهنغاريا، ولم يؤيدا غيرهما. وهكذا، على سبيل المثال، فخلال ثورة عام ١٨٤٨، أدانا الحركات الوطنية السلافية الجنوبية- التي تألفت من الكروات والصرب والتشيك. وقد اتخذا هذا الموقف، لأنهما اعتبرا أن هذه الحركات ساعدت موضوعيا العدو الرئيسي: الجيش الكرواتي، الذي يكره المجريين أكثر من كرهه لإمبراطورية هابسبورغ، كما ساعد جيش القيصر الروسي في هجومه على المجر، وساعد الجيش التشيكي خلال قمعه لثورة فيينا.

في جميع الحروب التي شاركت فيها روسيا القيصرية، لم يرض ماركس وإنجلز اتخاذ موقف الحياد أو معارضة الجانبين المتصارعين. لكنهما عارضا التدخل الروسي لوحده. وقد انتقدا الحكومتين البريطانية والفرنسية خلال حرب القرم لعدم إكمالهما الحرب ضد روسيا حتى النهاية. في الحرب الروسية- التركية التي اندلعت عام ١٨٧٧، أيد ماركس مرة أخرى "الأتراك البواسل" (2). وحتى نهاية حياتهما كانت روسيا القيصرية بالنسبة لماركس وإنجلز معقل الرجعية، والحرب ضدها هو واجب ثوري.

وبسبب معيارهما الذي استعملاه للحكم على الحركات الوطنية- وتأثيرها على الثورات البرجوازية في غرب ووسط أوروبا- كانت استنتاجات ماركس وإنجلز بطبيعة الحال محدودة بشأن المسألة الوطنية في أوروبا (وشمال أميركا) حيث التطور الرأسمالي كان أكثر أو أقل تقدما. لم يساهما، وهو أمر مبرر في ذلك الوقت، في دعم مفهوم الثورة البرجوازية القومية في آسيا وأفريقيا وجنوب أميركا. وهكذا، على سبيل المثال، كتب إنجلز: "برأيي المستعمرات التي تحتلها أوروبا، في كندا والكاب وأستراليا ستصبح كلها مستقلة، من ناحية أخرى، الدول التي يسكنها السكان الأصليون، والتي أخضعت، كالهند والجزائر والمستعمرات الألمانية والاسبانية والهولندية يجب أن تسيطر عليها البروليتاريا وبأسرع وقت ممكن بهدف تحقيق استقلالها" (3). يعتقد إنجلز أن بإمكان الهند أن تحرر نفسها عبر ثورة، ولكن هذا الحدث له أهمية ثانوية بالنسبة لأوروبا. وإذا حررت الهند نفسها، "فإن ذلك سيشير… إلى أن البروليتاريا التي تحرر نفسها لا يمكنها شن حربا كولونيالية". ولكن فكرة تحرر المستعمرات يمكن أن تسبق الثورات الاشتراكية في أوروبا، أو حتى تساعدها إلى حد كبير، كانت غريبة [الفكرة] تماما عن إنجلز (وكذلك بالنسبة لماركس). إذا كان على الهند والجزائر ومصر أن يحرروا أنفسهم، إذا:
"سيكون ذلك بالتأكيد أفضل شيء بالنسبة لنا. ينبغي القيام ما يلزمنا في بلادنا. وعندما تتم إعادة تنظيم أوروبا وأميركا الشمالية، فإن من شأن هذه السلطة الهائلة أن تشكل مثالا للدول شبه المتحضرة التي سيكون لديها لديها من تتمثل به من تلقاء نفسها" (4).

روزا لوكسمبورغ، وعلى خطى ماركس وإنجلز، اعتبرت أن الحركة الوطنية في أوروبا، تشكل أهمية ضئيلة بالنسبة بالنسبة للحركات الوطنية في آسيا وأفريقيا. وكما فعل ماركس وإنجلز، رفضت اتخاذ موقفا مطلقا للحكم على حركات الاستقلال الوطني. ولم تكن، مع ذلك، مجرد تابعة تكرر كلام مؤسسي الاشتراكية العلمية.

في حياتها السياسية المبكرة أشارت إلى أن الوضع في أوروبا بشكل عام، وفي روسيا تحديدا، قد تغير كثيرا منذ نهاية القرن التاسع عشر وأن موقف ماركس وإنجلز من الحركات الوطنية في أوروبا لا يمكن الدفاع عنه.

لقد تجاوزت منطقتا غرب ووسط أوروبا حقبة الثورات البرجوازية الديمقراطية. وتمكن اليونكرز في بروسيا من إرساء نظامهم عن طريق القوة دون الحاجة إلى المزيد من المساعدات القيصرية. في الوقت نفسه، لم يعد الحكم القيصري يشكل معقلا منيعا، فالتشققات العميقة بدأت تصيب جدرانه: الإضرابات العمالية لعمال وارسو، وبتروغراد وموسكو وفي مختلف أنحاء الإمبراطورية الروسية، بالإضافة إلى صحوة الفلاحين. في الواقع، في زمن ماركس وإنجلز كانت الثورة تتمركز في غرب ووسط أوروبا، أما اليوم، فمنذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين امتدت الثورات نحو الشرق، نحو روسيا. في زمن ماركس كانت القيصرية الشرطي الذي يقمع الثورات في الأماكن الأخرى، والآن القيصرية ذاتها بحاجة إلى مساعدة (خاصة المساعدة المالية) من القوى الرأسمالية الغربية. فبدلا من الرصاص والروبل الروسي المتجه في السابق نحو الغرب، اليوم، الذخائر الألمانية والفرنسية والبريطانية والبلجيكية والأموال تتدفق إلى روسيا. وأشارت روزا لوكسمبورغ إلى المزيد من التغيرات الأساسية التي حدثت بما يتعلق بالتطلعات الوطنية في بلدها، بولندا. في أيام ماركس وإنجلز كان النبلاء البولنديون قادة الحركة الوطنية، أما الآن ومع تزايد نمو الرأسمالية في البلاد، فإنها تفقد أرضيتها الاجتماعية وتحولت نحو القيصرية كحليفة لها في قمع التحركات التقدمية في بولندا. والنتيجة كانت أن النبلاء البولنديين جمدوا التطلعات الرامية إلى تحقيق الاستقلال الوطني. كما أصبحت البرجوازية البولندية معادية للرغبة في الاستقلال الوطني، كما وجدت أسواقا لصناعاتها في روسيا. "بولندا مرتبطة بروسيا بسلاسل ذهبية"، تقول روزا لوكسمبورغ. "ليست دولة وطنية ولكنها دولة النهب التي تتوافق مع التطور الرأسمالي" (5). الطبقة العاملة في بولندا كذلك، بحسب روزا لوكسمبورغ، ليست مهتمة بفصل بولندا عن روسيا، كما يرونها في موسكو وبتروغراد وحلفاءهم في وارسو وودج. وبالتالي لم يكن هناك قوى اجتماعية ذات وزن في بولندا مهتمة بالنضال من أجل تحقيق الاستقلال الوطني. بقيت الانتلجنسيا تحمل هذه الأفكار، لكنها في حد ذاتها تمثل قوة اجتماعية صغيرة. روزا لوكسمبورغ خلصت إلى تحليل القوى الاجتماعية في بولندا وموقفها من المسألة الوطنية بالكلمات التالية: "الاتجاهات التي تقود التطور الاجتماعي أوضحت لي أنه لا يوجد طبقة اجتماعية في بولندا تحمل في الوقت عينه المصلحة والقدرة على تحقيق استعادة بولندا" (6).

من هذا التحليل وصلت روزا إلى استنتاج أن شعار الاستقلال الوطني في ظل الرأسمالية لا قيمة تقدمية له، ولا يمكن تحقيقه عبر قوى داخلية في بولندا، يمكن تحقيقه فقط عبر تدخل قوة إمبريالية أو أكثر. في ظل الاشتراكية، حاججت روزا لوكسمبورغ، لن يكون هناك أي مكان لشعار الاستقلال الوطني، كما أن القمع الوطني لن يستمر في ظل الوحدة الأممية والإنسانية. وهكذا في ظل الرأسمالية الاستقلال الحقيقي لبولندا لا يمكن أن يتحقق، وكل خطوة في هذا الاتجاه لا قيمة تقدمية لها، أما في ظل الاشتراكية لن يكون هناك حاجة لمثل هذا الشعار. وبالتالي كان على الطبقة العاملة أن لا تناضل من أجل حقها في تقرير مصير بولندا، وكان هذا الصراع، في الواقع، رجعيا. شعارات الطبقة العاملة الوطنية ينبغي أن تقتصر على طلب الاستقلال الوطني في المجال الثقافي.

باتخاذها هذا الموقف، دخلت روزا لوكسمبورغ وحزبها (الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مملكة بولندا وليتوانيا)، في صراع مرير مع الجناح اليميني للحزب الاشتراكي البولندي الذي يقوده بيلسودسكي (الديكتاتور العسكري الذي حكم بولندا عام ١٩٣٠). وقد شن هؤلاء الوطنيون حملات كلامية ضد الاشتراكيين. وافتقروا إلى أساس شامل لقوميتهم، وابتدعوا مغامرات، بالتآمر مع القوى الأجنبية وصلت إلى حد الاعتماد على الحرب العالمية المستقبلية كطريق لتحقيق الاستقلال الوطني. في غاليسيا، معقل الجناح اليميني للحزب الاشتراكي البولندي، تم التعامل مع البولنديين تحت حكم النمسا بطريقة أفضل من تعامل الإمبراطورية الروسية معهم، وذلك بشكل أساسي بسبب حكام إمبراطورية هابسبورغ، المتعددة الجنسيات، التي اضطرت إلى الاعتماد على الحكم البولندي لتحصين النظام الإمبريالي. وبالتالي مال قادة الحزب الاشتراكي البولندي إلى تفضيل إمبراطورية هابسبورغ على تلك الروسية، وخلال الحرب العالمية الأولى تصرفوا كعملاء لفيينا وبرلين. في وقت سابق، وخلال ثورة عام ١٩٠٥، داسزينسكي، زعيم الحزب الاشتراكي البولندي في غاليسيا، ذهب إلى حد إدانة الإضرابات الجماهيرية للعمال البولنديين، لأنه، بحسب رأيه، تميل إلى حصر نضال العمال البولنديين بمواجهة روسيا، وبالتالي ستقوض الوحدة الوطنية البولندية. وكما رأينا بشكل واضح آراء خصوم روزا لوكسمبورغ داخل الحركة العمالية البولندية يمكن أن نفهم جيدا الموقف الذي اتخذته حول المسألة الوطنية البولندية.

النضال الذي خاضته روزا ضد الشوفينيين في الحزب الاشتراكي البولندي وسم كامل موقفها من المسألة الوطنية بشكل عام. وبمعارضتها لقومية الحزب الاشتراكي البولندي ذهبت بعيدا في معارضة كل إشارة إلى حق تقرير المصير في برنامج الحزب. ذلك لأن الحزب، الحزب الاشتراكي الديمقراطي في بولندا وليتوانيا، خرج باكرا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام ١٩٠٣، ولم ينضم أبدا في وقت لاحق تنظيميا إلى البلاشفة.

وافق لينين على معارضة روزا لوكسمبورغ للحزب الاشتراكي البولندي، وجادل معها حول أن واجب الاشتراكيين البولنديين لم يكن للنضال من أجل الاستقلال الوطني أو الانفصال عن روسيا، ولكن من أجل تحقيق الوحدة الدولية لعمال روسيا وبولندا. ومع ذلك، وباعتباره يعيش داخل دولة قمعية، كان لينين، وعن حق، حذرا من أن الموقف العدمي حول المسألة الوطنية سيزيد من تشدد الشوفينية الروسية. ومع ذلك، يمكن للعمال البولنديين، ويجب عليهم، تجنب المطالبة بإقامة دولتهم، وينبغي على الاشتراكيين في روسيا النضال من أجل حق البولنديين بأن يكون لهم دولتهم المنفصلة إذا ما رغبوا بذلك:
"الفضل العظيم لرفاقنا، في الحزب الاشتراكي الديمقراطي البولندي، أنهم حققوا تقدما لشعار الأممية، عندما قالوا: "نحن نعتز بالتحالف الأخوي للبروليتاريا في جميع البلدان أكثر من أي شيء آخر ويجب علينا الذهاب إلى الحرب بهدف تحرير بولندا". هذا هو فضلهم الكبير، ولهذا السبب يجب أن ننظر إلى الرفاق في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كرفاق لنا. الآخرون، القوميون، فليسوا أكثر من بليخانوفيي بولندا. ولكن هذه الحالة الفريدة، والتي من أجل الحفاظ على الاشتراكية، وجدت ضرورة خوض معركة مسعورة، معركة تتسم بهوس قومي، فكان ذلك مثمرا لنا بشكل غريب: إذ جاء الرفاق يقولون لنا أنه علينا التخلي عن حرية بولندا، وعن حقها في الانفصال.
لماذا علينا، في روسيا العظمى، نحن الذين قمعنا عددا كبيرا من الشعوب، لماذا علينا التنصل من حق الانفصال عن بولندا وأوكرانيا وفنلندا؟…. الحزب الاشتراكي الديمقراطي البولندي يجد أن الاتحاد مع العمال في روسيا هو أمر مفيد، وذلك لأنهم يعارضون الانفصال عن بولندا. لديهم ملء الحق للقيام بذلك. ولكنهم لا يرغبون فهم أنه من أجل تعزيز الأممية ليس هناك حاجة لتكرار الكلمات نفسها، نحن في روسيا نؤكد على حق الدول الخاضعة بالانفصال، أما في بولندا يجب أن نصر على وحدة القوميات. الحق بهذه الوحدة يتضمن حقها بالانفصال. نحن كروس، يجب علينا التأكيد على الحق بالانفصال، وفي حين يجب على البولنديين التأكيد على حقهم في الوحدة" (7).

يمكن تلخيص الفرق بين لينين ولوكسمبورغ حول المسألة الوطنية على الشكل التالي: في وقت تنطلق روزا من أن النضال ضد القومية البولندية، يميل إلى موقف عدمي من المسألة الوطنية، رأى لينين بشكل واقعي، اختلاف مواقف الأمم المقموعة والقامعة، وأن موقفهم من مسألة واحدة يجب أن يكون مختلفا. وهكذا، وبدءا من الحالات المختلفة من الآراء المتعارضة حول هذا الموضوع، فإنها تسير في اتجاهين متعاكسين للوصول إلى نفس النقطة لتحقيق الوحدة الأممية للعمال. ثانيا، في حين تتخلص روزا لوكسمبورغ من مسألة تقرير المصير، باعتبارها تتعارض مع الصراع الطبقي، يخضعها لينين إلى الصراع الطبقي (بنفس الطريقة التي يرى فيها كل المساعي الديمقراطية الأخرى كأسلحة في النضال الثوري العام). وتبعا لمقاربة لينين للمسألة الوطنية، ما تفتقده روزا لوكسمبورغ هو هذه الجدلية: التي تقوم على وحدة الأضداد في الاضطهاد الوطني، ومشاركة جزء- في النضال من أجل الاستقلال الوطني- بشكل عام- للنضال الأممي من أجل الاشتراكية.

قوة روزا لوكسمبورغ بشأن المسألة الوطنية تكمن، كما في أماكن أخرى، في تفانيها الكامل من أجل الأممية واستقلال الفكر. وأدى ذلك، تبعا لمنهج ماركس، إلى ملاحظتها لتغير بولندا بالنسبة إلى روسيا من أيام ماركس وصولا إلى زمنها. وهذا قادها، على العكس من ماركس، إلى معارضة النضال الوطني في بولندا، ولكن في الوقت عينه، ومرة أخرى خلافا لماركس وإنجلز، إلى دعم الحركة الوطنية للسلافيين الجنوبيين ضد تركيا. ماركس وإنجلز اعتبرا أن وقف تقدم القيصرية على وحدة الإمبراطورية التركية أمر يجب الدفاع عنه، وينبغي معارضة الحركة الوطنية للسلافيين الجنوبيين، التي كانت سلاحا أعمى بيد القيصرية. روزا لوكسمبورغ قدمت تحليلا ممتازا للظروف الجديدة في البلقان منذ أيام ماركس. وقد استنتجت، بداية، أن تحرير دول البلقان المقموعة من قبل الأتراك سيحرض الأمم التي تشكل الإمبراطورية النمساوية- الهنغارية. نهاية الإمبراطورية التركية في أوروبا تعني أيضا نهاية إمبراطورية هابسبورغ. ثانيا، قالت أنه في زمن ماركس كانت الحركة الوطنية تحت سيطرة البرجوازية، وبالتالي فإن أي استمرار للتأثير الروسي هو فقط بفعل القمع التركي. إن تحرير شعوب البلقان من نير الإمبراطورية التركية لن يعزز نفوذ القيصرية، ولكن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعافها، لأن هذه الشعوب ستكون تحت قيادة شابة برجوزاية تقدمية من شأنها أن تصطدم أكثر فأكثر مع القيصرية الرجعية. وبالتالي، في حالة البلقان، اختلف موقف روزا لوكسمبورغ كثيرا عن موقفها من بولندا.

استقلال فكر روزا لوكسمبورغ خففته مواقف لها، كما رأينا في بعض الأسئلة التي سبق وعالجناها، بسبب ميلها في بعض الأوقات إلى تعميم تجربتها الآنية على الحركة العمالية في أماكن أخرى.

هذا النص هو الجزء السادس من كتيب توني كليف- روزا لوكسمبورغ- الصادر عام 1959 (الذي أعيدت مراجعته عام 1969) في العدد الثاني والثالث لدورية الاشتراكية الدولية

(1). K. Marx, The Communist Manifesto.
(2). Letter to Sorge, 27 September, 1877, Marx-Engels Correspondence (London, 1941), pp.348-349.
(3). Correspondence, p.399.
(4). Correspondence, p.399.
(5). Przeglad Socialdemokratyczny, 1908, No.6.
(6). Die Neue Zeit, 1895-96, p.466.
(7). V.I. Lenin, Selected Works, vol.V, pp.307-308.

Partager cet article
Repost0

commentaires