Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
23 décembre 2012 7 23 /12 /décembre /2012 19:52

سوريا: إلى متى يستمر نظام الأسد؟
في هذا المقال يقدم يوسف خليل تحليلاً لأحدث التطورات في حرب النظام السوري ضد الثورة، ومحاولة لفهم معنى هيئة قيادة المعارضة التي أعلنت حديثاً

لقد خلّفت الحرب في سوريا خسائر كارثية، ولكن بحلول ديسمبر 2012، بدأ يلوح في الأفق ما هو أسوأ وسط مزاعم  بأن نظام بشار الأسد يستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية من أجل تصعيد هجومه الوحشي على المعارضة، كذلك وردت تقارير تفيد بأن السفن الحربية الأمريكية المتمركزة قبالة الساحل السوري المطل على البحر الأبيض المتوسط أصبحت في وضع استعداد لتدخل عسكر محتمل.

ولكن، حتى وإن لم تتحقق تلك المزاعم، فقد هوت سوريا إلى كابوس محقق، حيث يُقدر عدد القتلى، خلال ما يقرب من عامين، سواء ضحايا قمع وعنف النظام، أو ممن سقطوا جرّاء الحرب الأهلية، بحوالي 40 ألف شهيد، وأكثر من مليون شخص بين مصاب ومشرد. وما زال نظام الأسد يحاول سحق انتفاضة الشعب السوري التي بدأت في عام 2011، بالاستخدام المكثف للأسلحة النارية تارة، وشن الغارات الجوية من ارتفاعات عالية لتلقي بالقنابل المحملة بمادة الـ TNT فوق المنازل والمناطق المأهولة بالسكان تارة أخرى. وكما سبق أن فعلت الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن سلاح جو نظام الأسد يستخدم القنابل العنقودية والفسفورية في محاولة منه لإلحاق الهزيمة بالمقاومة.

يتواصل القتال في الضواحي الفقيرة وتجمعات الطبقة العاملة المحيطة بالعاصمة دمشق، وبسبب سيطرة المقاومة على مناطق واسعة منها، تتواصل الهجمات المضادة في شكل قصف مستمر.

وتزداد الظروف المعيشية للسوريين العاديين سوءاً يوماً بعد يوم؛ فهناك نقص حاد في المعروض من كل شيء بدءاً من الطعام ومياه الشرب النظيفة، وحتى الكهرباء. الشكوى الرئيسية هناك الآن هي نقص الخبز، حيث يصطف الناس في الطوابير لساعات أمام المخابز، والتي بالتالي أصبحت هدفاً للقصف الوحشي من قبل النظام. ذلك علاوة على بعض التقارير التي تفيد بأن قوات الأسد قد قامت بحرق حقول القمح أثناء انسحابها من المناطق المحيطة بمدينة حلب، أكبر المدن السورية مساحةً، والتي أصبحت منذ فترة طويلة جبهة للقتال بين قوات الجيش السوري والمعارضة.

هناك مثال يوضح لنا إلى أي مدى دفع نظام الأسد بالمجتمع نحو هاوية الفوضى والعنف، فحتى الجالية الفلسطينية بسوريا، والتي طالما كانت حجة النظام التي يبرر بها إحكام قبضتة على السلطة، لم تسلم من القمع. فالاعتداءات الأخيرة على المخيمات الفلسطينية أضيفت إلى سجل الاعتداءات على الفلسطينيين، تلك التي ارتكبها الجيش الصهيوني، والميليشيلت اللبنانية، والقوات الأردنية، وبالتأكيد تلك التي ارتكبتها القوات السورية إبان حكم حافظ الأسد، والد بشار.

حرب عصابات

لكن الشعب السوري ليس مجرد ضحية لعنف النظام، ومثل نظائرهم من الثوار المنتفضين في كل أقطار الربيع العربي - والفلسطينيون من قبلهم جميعاً وحتى يومنا هذا - أظهر السوريون إصراراً وتصميماً على تأكيد ودعم موقفهم بكل طريقة ممكنة. الإضرابات المدنية والمظاهرات، حتى في دمشق، كانت أفعالاً متكررة ودورية للمقاومة الشعبية. ترافق مع هذه الأشكال الاحتجاجية، ظهور مقاومة مسلحة شملت جميع أنحاء سوريا تعمل بشكل فضفاض تحت مظلة ما يسمى بالجيش السوري الحر ونجحت بالفعل في تحقيق تقدماً كبيراً في الأسابيع الأخيرة.

والحقيقة أن الانتصارات التي يحققها الجيش السوري الحر ليست ناتجة عن تدفقات جديدة لأسلحة أجنبية، كما يدعي نظام الأسد وكما تزعم تقارير وسائل الإعلام الدولية أحياناً، بل أن السبب وراء تحقيق تلك الانتصارات، يرجع لقدرة الجيش السوري الحر، بسبب التأييد الكبير واسع النطاق الذي يتمتع به، على فتح جبهات متعددة في نفس الوقت، وتنسيق العمل بين المحافظات المختلفة، وتبنيه واعتماده لتكتيكات حرب العصابات. وهكذا، بمرور الوقت، أصبح المقاتلون الثوريون مجهزين بشكل أفضل كثيراً من عدوهم ذاته.

على سبيل المثال، تمكن الجيش السوري الحر مؤخراً من السيطرة على فوج 46، بالقرب من حلب، وهي قاعدة عسكرية تابعة للجيش السوري النظامي. وكنتيجة طبيعية، واصل النظام قصفه العشوائي في محاولة منه لاسترداد القاعدة، لكن المعارضة قاومت بكل بسالة. وكانت القوات الموالية للديكتاتورية قد استخدمت أسلحة الفوج 46، من مدفعية وصواريخ ودبابات لإرهاب المدن والقرى المجاورة.

حاصر الجيش السوري الحر فوج 46 لمدة شهرين، ونجح في منع وصول الإمدادات للقاعدة. لجأت الحكومة إلى عمليات الإنزال الجوي من أجل إمداد قواتها بالغذاء، ولكن في نهاية المطاف ثبت أنها غير قادرة على الاحتفاظ بالقاعدة أو حمايتها. وهكذا سيطر الجيش السوري الحر على كمية هائلة من الأسلحة والإمدادات التابعة للقاعدة العسكرية، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات والتي تُحمل على الأكتاف، والتي يعتقد أنها استخدمت بالفعل لإسقاط طائرات حربية خاصة بالنظام. إن استراتيجية استهداف القواعد العسكرية والمطارات هي رد الفعل الثوري على أحد عوامل تفوق قوات الأسد؛ ألا وهي القدرة على إحداث تدمير واسع النطاق بواسطة القصف الجوي، مع ضمان الإفلات من العقاب.

وتهدف المعارضة بتبنيها تلك الاستراتيجية إلى وقف استخدام هذه القواعد في شن الهجمات الجوية، ومنع وصول الإمدادات والمساعدات العسكرية القادمة من بلدان أخرى، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأسلحة المتوسطة وثقيلة الحجم لاستخدامها ضد النظام. وفي عدة حالات، اضطرت قوات الأسد الجوية لقصف كل من مقاتلي الجيش السوري الحر وقوات النظام الموالية له على حد سواء، في محاولة يائسة لمنع الجيش السوري الحر من الاستيلاء على قواعدها العسكرية.

تراجعت هجمات القوات الجوية، كما أحكم المتمردون سيطرتهم على كل القواعد الجوية الواقعة في ضواحي دمشق، ويتقدم الجيش السوري الحر الآن نحو مطار دمشق الدولي، في حين نصح الثوار المدنيون بالابتعاد، وأعلن المطار منطقة عسكرية حيث أنه يتم استخدامه في إعادة تزويد النظام بالسلاح والذخيرة، كما يُستخدم أيضاً كمنطقة تمركز للقوات العسكرية.

تعرضت ضواحي دمشق، حيث يحظى الثوار بدعم كبير، للقصف المتواصل طيلة الأشهر الثلاث الماضية، حيث يحاول النظام تشكيل حدود تحيط بالعاصمة. فدمشق، مقر السلطة، أهم من أن تفقد، لذلك فهي الآن محصنة ومؤمنة بأعداد مكثفة من الأسلحة الثقيلة ونقاط التفتيش تنتشر في كل مكان. أصبح الآن أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات مستجدات طبيعية لا تسترعي الانتباه.

لا يسعى الثوار هذا الصيف، لتكرار عملية مثل عملية "بركان دمشق"، تلك المحاولة السابقة المشئومة للسيطرة على العاصمة، والتي انتهت بهجمة مرتدة شرسة من قبل النظام. بدلاً من ذلك، ينخرطون في حرب عصابات بهدف استنزاف وإضعاف معنويات القوات الحكومية.

وعلى الرغم من ضعف النظام، إلا أنه لا يزال يمتلك بعض نقاط القوة الحاسمة التي تمكنه من البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة في مواجهة الثورة الجماهيرية. وعلى رأس هذه العوامل الدعم المباشر الذي يتلقاه نظام بشار الأسد من روسيا والصين وإيران. الأمر الثاني، أن لدى سوريا دائرة داخلية صلبة ترى نفسها تخوض صراعاً وجودياً، وعلى استعداد لاستخدام أقصى درجات الوحشية دون تردد.

لا يمكن قول الشيء نفسه عن القوات المسلحة، حيث ينحدر أفرادها من جميع أنحاء سوريا، وجميعهم لهم أقارب وأصدقاء ينتمون للثورة. ولقد حاول النظام التغلب على هذه المشكلة بثلاثة طرق: أولاً، استخدام سلاح المدفعية الثقيلة والهجمات الجوية من على مسافات بعيدة، بحيث لا يرى مرتكبي تلك الهجمات آثار الدمار الذي يتسسبون فيه. ثانياً، استخدام شبيحة العصابات شبه العسكرية بدلاً من قوات الجيش النظامي العادية. ثالثاً، نشر القوات الأكثر ولاءاً، مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة، عندما تكون هناك ضرورة للتدخل العسكري.

قمع ومقاومة

إن فهم ديناميكية عمليتي القمع والمقاومة داخل سوريا، أمراً ضرورياً لفهم وتحليل التطورات الدولية الجارية بشأنها. لقد شكلت قوى المعارضة الثورية مؤخراً، تحالفاً جديداً أُطلق عليه اسم "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية". وأعلن الائتلاف أنه سيكون بمثابة حكومة مؤقتة، كما أنه يعد حكومة انتقالية لتولي السلطة بعد سقوط ديكتاتورية الأسد.

بل أنه يسعى أيضاً للاعتراف الدولي باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، ويطالب بالإفراج عن أصول نظام الأسد المجمدة في الخارج. وقد اعترفت به دول الخليج رسمياً بالفعل، إلى جانب تركيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا. وقد أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحمسها للحكومة المؤقتة ودعمها لها، لكن الأمر لم يصل إلى حد الاعتراف الدبلوماسي الرسمي. قادة الائتلاف الوطني يقولون أنهم يريدون الحفاظ على بنية الدولة والمؤسسات السورية أثناء مرحلة التحول إلى الديمقراطية وتفكيك الأجهزة الأمنية، تلك الأهداف التي ستتوافق تماماً مع تطلعات الدول الغربية التي اعترفت بالحكومة المؤقتة.

وفي الوقت نفسه، حددت الحكومة المؤقتة لنفسها مهاماً فورية عاجلة، وهي تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين سواء في الداخل أو في الخارج، فضلاً عن تكوين قيادة عسكرية موحدة تعمل وفق التوجيهات السياسية للائتلاف الوطني. فالحكومة المؤقتة تريد أن تمر كافة المساعدات العسكرية من خلال قنواتها، بدلاً من إرسالها مباشرة إلى الجماعات المسلحة.

المحاولة السابقة لإنشاء هيئة تجمع مختلف أطياف المعارضة السورية تحظى باعترافٍ دولي، كانت تحت اسم المجلس الوطني السوري، وكان يهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين. والآن يقر الكثيرون بأنها كانت محاولة فاشلة، لأنهم لم يتمكنوا من التغلب على الانقسامات الداخلية، ولا على العمل بطريقة منفتحة وديمقراطية وشفافة. الأهم من ذلك، أن المجلس الوطني السوري لم يكن ممثلاً حقيقياً للانتفاضة الشعبية وقواها الفعلية على الأرض، وبتوجيه جلَّ اهتمامه نحو التوصل لحل خارجي، فإن المجلس الوطني لم يكن معبراً عن الثورة على النحو السياسي المطلوب. تسبب فشل المجلس الوطني السوري في قيادة الثورة في إحباط مؤيديه الغربيين، الذين ليس لديهم أي رغبة في رؤية نجاح الثورة السورية يتجاوز حدود مصالحهم ونفوذهم. لذلك، حاولت عدة دول تخطي المجلس الوطني السوري، وإعادة استكشاف الموقف من أجل إقامة علاقات مباشرة مع المجموعات المختلفة داخل سوريا.

ولكن، على سبيل المثال، ممالك وإمارات الخليج، على الرغم من تشدقهم بتقديمهم العون ودعمهم للمجلس الوطني السوري، إلا أنهم كانوا يضعفونه بالفعل، بمحاباتهم وتسليحهم لبعض المجموعات المختارة داخل سوريا. ونتيجة لذلك، لعبت بعض الجماعات الجهادية الإسلامية المتطرفة، دوراً ضخماً داخل المقاومة السورية المسلحة، هذا على الرغم من أن تلك الجماعات المتطرفة على خلاف حقيقي مع الشعور العام الذي يسيطر على أغلب الثوار الذين يؤمنون بأحقية السوريين في الحياة في ظل مجتمعٍ ديمقراطي حر، يقوم على أسس الاحترام المتبادل لمختلف الأديان والأعراق.

الائتلاف الوطني وقوى الشر القديمة

وعلى النقيض من المجلس الوطني السوري، فإن الائتلاف الوطني يضم بالفعل ممثلين لمختلف القوى داخل سوريا. فيضم بين أعضاؤه شخصيات تحظى بمصداقية داخل صفوف المقاومة، مثل معاذ أحمد الخطيب، إمام الجامع الأموي السابق، كذلك المنشق البارز ورجل الأعمال رياض سيف، كما يضم أيضاً الناشطة سهير الأتاسي، وجميعهم كانوا معتقلين لبعض الوقت في سجون الأسد. لكن، على الرغم من المشاركة القوية لرموز المعارضة المخضرمين، إلا أن الائتلاف يتم استغلاله من قبل مسئولي نظام الأسد السابقين، وكذلك من القوى الإمبريالية التي تسعى لوضع بصمتها الخاصة على سوريا الجديدة.

على سبيل المثال، المجلس الوطني سيء السمعة، كان قد وعد بأن يحظى بثلث     المقاعد داخل الائتلاف الوطني، هذا رغم أن المجلس الوطني كان يعارض تشكيل الائتلاف من الأساس. ووفقاً لمصادر مُطلعة، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين قوة مهيمنة داخل الائتلاف الجديد، تماماً مثلما كان عليه الأمر داخل المجلس الوطني. لم تقترح جماعة الإخوان الملسمين لقيادة الحكومة الانتقالية سوى رياض فريد حجاب، وهو منشق عن نظام الأسد، حيث كان رئيس وزراء حكومة الأسد حتى شهر أغسطس من هذا العام – أي بقى في منصبه حوالي 18 شهراً منذ اندلاع الثورة.

كل هذه الأمور تثير عدداً كبيراً من الأسئلة: إذا كان المجلس الوطني لا يمثل الثورة بشكل فعلي على الأرض، كيف يختلف الائتلاف الوطني؟! ما هو الصوت الفعّال الذي ستتبناه القوى الثورية والمعارضة داخل الائتلاف؟! أي نوع من المفاوضات ستتم، وما هي الاتفاقات التي ستبرم في سبيل فوز الائتلاف بالاعتراف الدولي؟! ما هي خطط الائتلاف لتحقيق النصر، وإلى أي مدى تتوافق هذه الخطط مع الأهداف الجماهيرية للثورة؟! هل هناك التزام بأسس العدالة الاجتماعية والاقتصادية؟! هل سيرضح الائتلاف ويذعن للولايات المتحدة والأجندة الأوروبية الخاصة بسوريا ما بعد الأسد؟! هذه كلها أسئلة مهمة، لاسيما وقد منح الائتلاف الوطني لنفسه سلطة إنشاء الحكومة المؤقتة، ومن ثم تشكيل الحكومة الانتقالية بعد سقوط النظام.

وحسبما ورد، يأمل الائتلاف في تولي قيادة الجيش السوري الحر، والمقاومة المسلحة، باستخدام العلاقة الوثيقة مع دول الخليج للتمكن من مراقبة وتوجيه الأسلحة والإمدادات. ووفقاً لما نشر في العدد الأخير من دورية "اليساري"، التي يصدرها ائتلاف اليسار السوري، فإن القوى الأجنبية أبدت سعادتها لما طال البنية التحتية السورية من تدمير على يد النظام:
"بعد سقوط نظام الأسد، الدولة الإمبريالية الغربية مستعدة تماماً للانقضاض على فريستها، عن طريق إغراق البلاد بالقروض المشروطة، بحجة إعادة الإعمار، في مقابل فرض السياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة. وهذا يعني، أن تبقى السياسات الاقتصادية السابقة الفاسدة كما هي، إلى جانب اتساع الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء نتيجة لتنامي الفقر والاستغلال. هذا يتطلب وجود حكومة بديلة. ولكن، والفضل للإمبريالية، يتواصل العمل بنفس السياسات".

وفي الواقع، أعلن الائتلاف الوطني أنه يعمل بالفعل على صياغة "رؤية لديناميكية اقتصاد السوق الحر السوري" من أجل وضع خطة لـ "الانتعاش الاقتصادي"، تلك الخطة التي من شأنها أن تضمن المصالح الاقتصادية الغربية والإقليمية على حدٍ سواء.

إن الاعتراف الدولي بالائتلاف الوطني، يأتي في وقت تتوالى فيه انتصارات القوى الثورية في مواجهة ديكتاتورية الأسد. والقوى الدولية والإقليمية ترى بوضوح التحول الذي يحدث لصالح الثورة، وهم يخشون أن تأتي النتائج خارج نطاق نفوذهم – لذلك يبحثون عن فرص للتواصل مع الائتلاف، تماماً مثلما حدث مع المجلس الوطني من قبل، غير أن الائتلاف الوطني يحظى، بشكل أولي، بدعم الشارع السوري. ومن الضروري أن نتذكر، وبالتأكيد فإن المجلس الوطني يتذكر بالفعل، أنه يمكن اكتساب تلك الشرعية الداخلية، ثم فقدانها في حالة فشل القيادة المعلنة في تلبية تطلعات الجماهير الثورية.

ثورة شعبية أم مؤامرة؟

ما يحدث في سوريا هي ثورة شعبية. بعض الأصوات المنتمية لليسار الأمريكي ترفض الاعتراف بهذا، وتدعي أن المقاومة ما هي إلا دمية في يد الإمبريالية الغربية، لكنهم معميون بدعمهم لديكتاتورية السفاح بشار الأسد، وبتحالفاتهم الخاصة مع بعض الحكومات الدولية التي ما زالت تدعم نظام الأسد، مثل إيران. البعض الآخر يعتقد أن الانتفاضة الشعبية لا تقوم على أساس طبقي. وهذا أيضاً أمراً يجانبه الصواب.

إن استغلال وإفقار الطبقات العاملة السورية في واقع الأمر كان مشروع مشترك بين نظام الأسد والبرجوازية السورية، لضمان احتكار الثروات. وسوياً، أشرفوا على تنفيذ السياسات الاقتصادية للليبرالية الجديدة على مدى العقد الماضي، وهو الأمر الذي ترتب عليه استيلاء القطاع الخاص على أجزاء كبيرة من الاقتصاد السوري. كما انفتحت الأسواق السورية أمام الواردات الأجنبية مما أدى إلى تدمير الصناعات الوطنية. كذلك الزراعة، والتي كانت لوقت طويل بمثابة حجر الأساس لمعيشة السوريين، ضربت في مقتل بسبب ارتفاع أسعار الوقود والعلف الحيواني، إلى جانب طرد ملايين الفلاحين من أرضهم ودفعهم نحو الأحياء الفقيرة في المدن.

تمكنت البرجوازية السورية من تنفيذ أجندة الليبرالية الجديدة، من خلال القبضة الحديدية التي كان يتمتع بها نظام الأسد، وبواسطة شبكته الأمنية التي عملت على وأد كل الأشكال التنظيمية للطبقة العاملة والإبقاء عليها ضعيفة، وبالتالي ضمان مناخ "خال من الاحتجاج"، هكذا انفتح الاقتصاد السوري على السوق العالمي. 

ووفقاً لائتلاف "اليسار الثوري" فإن، المطالب الشعبية المتمثلة في توفير فرص العمل، وتحسين الأجور، والحق في التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الزراعية، إلى جانب الحق في التظاهر وغيرها الكثير، كلها أمورٌ ربما تبدو بسيطة، لكن في الواقع هي أساس اندلاع الثورة، وإنجازها يتطلب تغيير كامل البنية الاجتماعية والاقتصادية لسوريا، وليس مجرد تغيير بعض الشخصيات في أعلى هرم السلطة أو إجراء بعض التغييرات على شكل سلطة الدولة.

هذه المطالب ربما لا تتبناها الطبقة العاملة كجزء من نشاطها الفعلي في الوقت الحاضر. لكن السوريون ليسوا بمواجهة أمراً "طبيعياً". إنهم يواجهون صراع عسكري ضد الديكتاتورية التي سحقت كل الأشكال التنظيمية للطبقة العاملة، ديكتاتورية ارتدت عباءة الخطاب اليساري بغرض حماية أرباحها ومراكمة ثرواتها. إن مهمة الاشتراكيين الحقيقيين الآن هي الوقوف في صف الثورة السورية وهي تنفض عن سوريا هذا الوحل التاريخي، وجنباً إلى جنب مع سائر الثورات العربية تفتح حقبة جديدة من الصراع الاجتماعي.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في جريدة العامل الاشتراكي الإلكترونية الأمريكية

Partager cet article
Repost0

commentaires