Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
10 août 2013 6 10 /08 /août /2013 13:20

 

 

 السعودية: حراك القطيف بين النظرية والممارسة


السبت 10 آب (أغسطس) 2013

فاطمة علي

 



الحراك الثوري في القطيف ليس فقط تغييراً اجتماعياً أو وسيلة ضغط، ولكنه يغير أيضا في وعي الأشخاص، أولئك الذين يساهمون في بناء الحركة الثورية، فهم نفسهم يكتسبون الثقة والمعرفة والثقافة المضادة للثقافة السائدة. فالحراك له نتيجة واضحة: ان كل النّخب الموجودة هي نُخب انتهت صلاحيتها! واليوم تظهر لنا قيادات حقيقية عبر النضال في الشارع، وترسم طريقاً واعداً بمستقبل أجمل، ومن أراد إثبات صحة المنهج والفكرة والنظرية عليه تطبيقها وإثبات جدواها على أرض الواقع، في الحراك، وفي الشارع – أما من يدعي الحياد، فهو في حقيقة الامر من دعاة الانحياز – فالحياد في حقبة الظلم والقهر هو انحياز للقوة المستبدة، لذلك لا نعوّل على أي طرف أو تيار أو نخبة تخلع نفسها عن مصلحة الكادحين ورغبتهم في التحرر من أغلالهم، نعوّل فقط على القيادات الميدانية الحقيقية والتي تناضل من أجل تغيير الواقع الراهن.

نحن نعلم أن مستويات الحركة الميدانية متفاوتة من اقليم لآخر، فمنطقة القطيف قطعت شوطا طويلا في النضال من أجل العدالة، ولا يمكن مقارنة الحراك الميداني هناك بالحراك في الأقاليم الأخرى التي تحتاج إلى الكثير من التنظيم، برغم أنها بدأت في التحرك بشكل متسارع، نحن كمناضلين يجب علينا المساهمة جدياً في توسيع آفاق النضال من قضية المعتقلين إلى مختلف القضايا الأخرى، ومن أهمها الطائفية والاستغلال واضطهاد المرأة والعدالة الاجتماعية.

الاحتقان الشعبي في المملكة

لقد رحبت شرائح اجتماعية عديدة وبعض المثقفين بقرارات الملك عبد الله بضخّ أموال هائلة للشعب عام 2011 على شكل مكرمات ملكية وهبات لمؤسسات الدولة، هذا الترحيب يعتبر انعكاسا لارتفاع مستويات الثقة لحقبة الملك عبدالله الإصلاحية منذ توليه الحكم ومحاولاته دعم سياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي داخلياً وخارجياً، بينما لو عدنا إلى الأرقام سنجد بأن كل السياسات الخارجية والداخلية ليس لها أي مردود إيجابي فعلي على المواطن، فعلى سبيل المثال: منذ أن انتهجت الحكومة سياسة توطين الوظائف "ما يسمى بالسعودة"، تحت مسمى نطاقات (وهو برنامج يقيّم أداء المنشآت من حيث توطين الوظائف ويصنفها إلى نطاقات ممتاز وأخضر وأصفر وأحمر) ارتفعت البطالة من 10% إلى 12% - إذا الدولة لم تقدم حلا جذريا للمشكلة، بل في المقابل قدّمت منهجاً عنصرياً وممارسات قمعية ضد الوافدين! أما بالنسبة للعاطلين عن العمل فتم تقديرهم بـ 3 مليون مواطن بينما المُدرجين في قائمة الإعانات للعاطلين تحت مشروع أطلقت عليه وزارة العمل مسمى "حافز" لا يتجاوز عددهم ال 850 الف مواطن ! وفي نظرة سريعة لمستويات التضخم مقارنة بالأجور نجد أن النسبة ارتفعت لتصل الى 700% منذ عام 1980 بينما الأجور لم ترتفع إلا بمقدار 65% حيث تعد السعودية أكثر الدول الخليجية انخفاضاً من ناحية الاجور.

يبلغ عدد الفقراء 4 ملايين مواطن حتى بعد إنشاء صندوق مكافحة الفقر الذي انشأه الملك قبل عدة سنوات. إن تعداد من هم تحت حد الفقر لم يتغير بالرغم من الأموال الطائلة التي ضختها الدولة في 2011 وبرغم القرار الإيجابي الذي أصدره الملك بوضع حد أدنى للأجور بما يعادل 3000 ريال، لكن ذلك لم يعتبر كافيا، حيث تُشير دراسات اللجنة العمالية بقيادة نضال رضوان، بأن الحدّ الادنى من المفترض أن يكون 5،800 ريالا. لقد خرج وزير العمل مُصرحاً بعد هذه الدراسة بأن: "إلى هذه اللحظة لا يوجد حدّ أدنى في القطاع الخاص، ومن حق ربّ العمل أن يتعاقد مع العامل بالأجر الذي يُرضي الطرفين". وما نستطيع استنتاجه هنا، أنه لا يوجد فعلياً حد أدنى للأجور! لقد رفضت وزارة العمل دراسة السيد رضوان باعتبارها لا تحمل شرعيّة و يجب ان يتم إعادة الدراسة بناءً على سياسة الوزارة!

أما بالنسبة لمشاريع الإسكان التي تبنتها المملكة بعد الربيع العربي والتي جاءت كنوع من التخدير للحراك الثوري والحقوقي المتسارع في أرجاء البلاد فهي مشاريع لا تشمل معظم المناطق مثل منطقة القطيف، كما أن القروض العقارية التي تُصدرها الحكومة لدعم الاسكان ما زالت متعثّرة في قائمة طويلة وعلى المواطن أن ينتظر 10 سنوات أو أكثر ليحين دوره وفي الحقيقة لا توجد آلية واضحة وبرنامج فعلي لهذا المشروع العشوائي.

وهم الإصلاح السياسي

لقد فاجأ وصول المرأة لمجلس الشورى الجميع، مع أنه يعني أيضا وصول الأميرات وسيدات العائلات البرجوازية الثرية إلى هذه المناصب، علما بأنها مناصب لا تخضع للانتخاب، بل إلى التعيين بمرسوم ملكي، ولكن ما زال هذا المجلس منزوع الصلاحيات لانه مجرد مجلس استشاري، لا تشريعي ولا تنفيذي فلم يستطع هذا المجلس ولا حتى بعد تعيين مجموعة من السيدات من إيجاد حل حقيقي لإشكالية العنف ضد المرأة! حيث تواجه امرأة من كل 5 نساء حالة عنف من قبل الرجل، وهناك دراسة اخرى تُشير الى أن ثلث النساء في السعودية تعرّضن لعنف من قبل الرجل. ما تتعرّض له المرأة لا يأتي من فراغ بل من المنظومة السياسية الراهنة التي تؤبّد العنف عبر الاستعانة بشتى النصوص الدينية الكلاسيكية لفرض وصاية الولاية – بدءاً من الزوج وانتهاءً بالسلطان. ففي مقال للكاتبة هتون الرشيد تقول: "عندما تتقدم المعنفة بشكوى في مركز الشرطة تواجه في الغالب أحد أمرين: إما تعطيلها برفض شكواها بسبب عدم وجود محرم أو ولي، وقد يكون وليها المعتدي نفسه! أو قبول الشكوى ولكن دون أي عواقب تترتب على المعتدي نتيجة اعتدائه كما في حالة فاطمة الشهري، فأقصى ما يمكن عقابه به هو توقيعه على تعهد صوري بعدم تكرار الفعل، وعندها تواجه المعنفة خيارين: إما العودة لمعنِّفِها، أو -في حالة رفض عائلتها لها- تُودَع السجن أو دار الرعاية مع منعها من الخروج حتى يبت القضاء في قضيتها أو يرضى عنها وليها المعتدي، وهي ستواجه العقبة القضائية، فصعوبة اللجوء للقضاء وإن كان الجميع يعاني منها إلا أن هذه المعاناة أشد وقعاً على المعنفة، ذلك لأن مصيرها ومصير أطفالها -إن وجدوا- متعلق بالحكم وسرعته وعدالته". أيضا لم يستطع المجلس تبني مشروع قيادة المرأة للسيارة، فعندما طرحت أحدى العضوات مبادرة لجمع اكبر عدد من التوقيعات لدعم مبادرة قيادة المرأة للسيارة، خرجت علينا عضوة أخرى تَعِد بجمع 3 اضعاف ذلك العدد ممن يرفضون قيادة المرأة للسيارة! ومن ثم "رأينا كيف قامت العديد من النساء بقيادة سياراتهم كـ احتجاج على المنع و محاولة اسقاط شرعيته"

أن معدّل الأجور للمرأة العاملة هو 3،900 ريال مقارنة بـ 6،400 ريال للرجل، ونظراً للقوانين المناهضة لعمل المرأة فهي لا تمثّل الا 14% من الطبقة العاملة كما وانها تمثّل الغالبية العُظمى من نسبة البطالة.

اما بالنسبة للشيعة في الاقليم الشرقي، مازالت السياسات الطائفية تتزايد بشكل ممنهج، فها هي قوات الأمن تحاصر دور العبادة ويتم التضييق على الشيعة في ممارسة طقوسهم الدينية وتمنع التراخيص لبناء الحسينيّات. بينما تنفق الدولة ما يُقارب ال 200 مليون ريال سنوياً في بناء وصيانة وترميم المساجد للطائفة السنية، عدا عما يعانيه الاطفال والطلبة/ات في المدارس من مضايقات طائفية خاصة وانهم يدرسون منهجاً لا يمثّل الا الطائفة السنيّة، بل يعتبر اعتناق المذهب الشيعي مُخالفة في البند الاول من قواعد التنظيم والسلوك: "اعتناق المذاهب الهدّامة". ويتم اقصاء الشيعة من مُختلف الفرص الوظيفية، والتضييق عليهم، حيث أن القطيف على سبيل المثال تتمركز في موقع جغرافي بالغ الاهمية، و فيها موارد نفطيّة وزراعية مهمة. مع ذلك، لم تجن المنطقة الا التلوّث فمنازل الصفيح منتشرة في كل مكان والخدمات ضعيفة وتتهرّب السلطات من مسؤوليتها تجاه المنطقة.

إن هيئة مكافحة الفساد التي أنشأها الملك عبد الله ما تزال عاجزة عن القبض على المسؤولين عن الفقر والاستغلال، فعلى سبيل المثال، شَهِد الأمير خالد الفيصل الحادثة الاولى من سيول جدة، والحادثة الثانية ايضاً! وسيول جدّة تُعبّر عن ضعف البنية التحتية لتصريف السيول، وفساد كبير في صفقات حكومية مع البرجوازية المحلية. الا ان الكارثة الاولى والثانية يتشاركان بأمر في غاية الاهمية: يتم انقاذ الأميرات عبر المروحيات، اما الفقراء والكادحين فيموتون غرقاً في الاحياء الفقيرة المتهالكة! فلم نجد لا الوزير، ولا خالد الفيصل، ولا اي رمز من رموز السلطة تتم محاكمته واستجوابه من هيئة مكافحة الفساد!

ان الاحتقان الشعبي يتصاعد بوتيرة متسارعة لم تُثمر معها كل محاولات الناشطين الاصلاحيين في تقديم حلول ما عدا تعرضهم للاعتقال، او توقيع العرائض والخطابات مثل: "مطالب الشباب إلى خادم الحرمين"، و"عريضة نحو دولة الحقوق والمؤسسات"، و"رسالة 23 فبراير"، و"اعلان وطني للإصلاح". لم يُثمر اي منها تحقيق تغيير جذري. فكان الحل في أيدي المتظاهرين في الشارع، واستُبدلت محاولات الاستجداء بالسلطات الى محاولات للتنظيم الذاتي والمطالبة بالحقوق عبر المواجهة والنضال.

التطوّرات الاخيرة في السياسة الملكيّة ان الحكومة السعوديّة تواجه تحديّات الربيع العربي! الحراك يتوسّع في شتى الاقاليم، حتى وصلت الاحتجاجات الى مدينة الجوف شمالاُ ومدينة مكة المكرمة غربا. وبدأت تُشكّل تهديداً صارخاً لمنظومة الحكم خاصة بعد اخفاقات الطبقة الحاكمة في قمعها وانهاء سيرورتها مما ادى الى تغييرات في غاية الاهمية في الهيكل السياسي للنظام الملكي: حيث تم تعيين الامير سعود بن نايف لتولي إمارة المنطقة الشرقية، بدلا من الامير محمد بن فهد الذي عجز عن تحقيق اي انجاز يُذكر لقمع الاحتجاجات في القطيف، وايضاً تم تعيين الامير خالد بن بندر بن عبد العزيز بعد وفاة الامير سطام لتولي إمارة الرياض. اذا، تُدرك الطبقة الحاكمة بأن هناك حراك يتصاعد بوتيرة متسارعة لذلك أصبحت كل التعينات الجديدة ذات ابعاد امنيّة، فالامير خالد بن بندر كان قائد القوات البريّة واصبح الآن اميراً على الرياض، بينما الامير سعود بن نايف كان نائباً (مساعداً) لوزير الداخليّة واخوه محمد بن نايف هو وزير الداخليّة الجديد! لقد صرّح الملك ذات مرة قائلاً: "هؤلاء المحرضين يستحقون اكثر من السجن"..! ان هذا التصريح يعبر عن مدى العجز الأمني الذي يصيب المؤسسة الحاكمة! اما الأمير خالد بن بندر فكانت أولى انجازاته تدشين دورات مشتركة بين هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وزارة الداخليّة بعنوان: "الامن الفكري" "كمطلب مهم لاستقرار الشعوب" بعدها بدأت تأخذ هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دوراً سياسياً مباشراً برهن على ذلك التواجد الواضح لهم اما المساجد الرئيسية التي تنطلق منها دعوات التجمهر من اجل الاحتجاج مثل مسجد الراجحي، وايضاً امام انتفاضة الطلاب في جامعة الملك خالد و غيرها من الجامعات.

ان كل هذه التطورات تُمهّد وتشير لحقبة يسودها القمع والقتل والاستبداد ومعها انتهت كل الحجج الواهية والأوهام في التأكيد على ان النظام يُحاول الاصلاح وان الحقبة الذهبية للملكية لا يُمكن ان تنتهي من دون تغييرات جذرية تحت ظل الملك عبد الله. بينما رأينا الملك بنفسه يأخذ موقفاً صريحاً ضد الثورات العربية وضد الحراك الثوري المحلي عبر التصريحات الرسمية والاعتقالات الواسعة التي طالت عدد كبير من الناشطين ولم تستثن النساء اللواتي اعتصمن امام السجون في القصيم، فجرى اعتقالهن جميعاً لمطالبتهن بتحرير مساجين الرأي. نستنتج من كل ذلك ان التصعيد الامني لم يُنجز الا تصعيداً حركياً يجتاح كل الاقاليم المختلفة!

الحراك في القطيف

خرجت الحركة الثورية في القطيف بعد ثورات الربيع العربي، وبعد الوصول الى مرحلة مُتأزمة من الاحتقان استُتنفذت فيها كل الخيارات المبنية على المساومة مع السلطة ولم تأت بنتيجة. فكانت اول حركة احتجاجية تُطالب بإطلاق سراح "المنسيين" التسعة من مُعتقلات السلطة، ومع تزايد وتيرة الأحتجاج وتزايد القمع الأمني والاعتقالات التعسفية والعنف معها تحوّلت المطالب من مجرد مطلب واحد و هو اطلاق سراح المساجين الى حراك ثوري يُطالب بإسقاط النظام – فتعددت الشعارات، من التضامن مع الثورة البحرينية بالهتاف: "يسقط حمد"، الى المطالبة بأسقاط نظام آل سعود وانهاء الملكية وارتفع سقف المطالب وتعددت انواعها فأحدهم يهتف للمطالبة بالاسكان ، والآخر بالعدالة الاجتماعية، و هناك هتافات للمطالبة "بالقصاص ممن يطلق الرصاص" – و هو شعار ضد اغتيال الناشطين في الحركة الاحتجاجية.

منذ بداية الحراك في فبراير 2011 الى الآن، استشهد 18 شهيد وأغلبهم من الشباب حيث لا يتجاوز بعضهم عمر الـ17 والـ 18 سنة، و كانت عمليّات القتل التي تشنّها السلطات -وهي عمليات همجية ووحشية- تستهدف الناشطين وهم بعيدين عن ميدان التظاهر والاحتجاج، وأما المُعتقلين فيصل عددهم الى المئات وبينهم اطفال، منهم الطفل هشام الموسى الذي لا يتجاوز عمره الـ15 سنة! بينما يصل عدد المُحتجزين من دون محاكمة في سجون المباحث الى 2542 مُعتقل.

لقد حاول وجهاء القطيف ومشايخها تقديم المال لبعض القياديين في الحراك كي يتوقفوا عن التظاهر، لكن كانت الإجابة بالرفض لأن مطالب الفقراء والكادحين لا تنتهي برشوة وليست خيار قلّة من المناضلين القياديين. ومع كل المخاطر والصعوبات الجسيمة الا ان الحراك ما زال مستمراً وصامداً، فلم يضعف التنظيم وما زال المتظاهرون مواظبين على التحرك بالتزام وبنفس النهج الثوري.

العملية الاخيرة في القطيف

ان دور رجال الامن هو استلاب الامن! دور الشرطة ليس دوراً سلمياً على الاطلاق، حتى في اكثر الدول الديمقراطية - فلقد رأينا الشرطة تنتهج الوحشية والقمع في التعامل مع المتظاهرين السلميين في مُختلف البلدان الشرقية والغربية - ولا جديد في ذلك. اما بخصوص الملكيّات المُطلقة، فالشغب البوليسي هنا لا يحتمل طرحاً حيادياً، فتتعدد انواع القتل مرة بتبرير الصدفة او الخطأ، ومرة بالاستهداف المباشر المبرر بحجة التخوين والارهاب. ان قطاعاً وحشياً لا يجد نفسه الا بالتسلّح هو قطاع تم تأسيسه للقتل وليس لتجذير السلم والامن في المنطقة. فدائماً ما نرى تلك القوات المدججة بالسلاح، تحمي القصور ولا تحمي الفقراء، ترمي المتظاهرين بالرصاص ولا ترمي الخونة والقتلة بالرصاص، تحمي الاثرياء وتسلب الامن من الفقراء، تُدافع عن الطائفيين وتعتقل المناهضين للطائفية! لقد حولت السلطات الأمنية القذرة مناسبة "الناصفة" في يوم الجمعة 21 يونيو من الاحتفال بمولد الامام الثاني عشر للشيعة الى مأتم بمقتل شهيدين على يد قوّات الشغب. تم استهداف مرسي آل ربح ورميه بالرصاص برشاشات كاتمة للصوت وجرت العملية بعشوائية في الأداء حيث تطاير الرصاص في كل مكان ليسبب اضرارا عديدة وطالت آثار التخريب السيارات في العوامية. كان مرسي آل ربح قيادياً بارزاً في الحراك وأحد المطلوبين امنياً وكان حينها منشغلاً بالتجهيزات للاحتفالات الدينية التي تحدث كل عام في المنطقة. أما علي المحروس فلقد أستشهد بعد ان اطلق رجل امن الرصاص عليه في الرأس ونُقل إثرها الى المستشفى وتوفي فيه. لم تكتف السلطة بهذه المجازر بل دهس احد المواطنين بسيارة رجل امن واستُخدم الرصاص والذخيرة الحيّة في استهداف مدينة العوامية في صباح الجمعة رداً على الاحتجاجات الاخيرة المُطالبة بالافراج عن المعتقلين والقصاص من القتلة.

إن السبيل للخلاص من الظلم لن يأتي عبر التفكير المحض ولا التأمل ولا الاكتفاء بالتعبير، بل عبر مواجهة آلة القمع التي تقوم بدور اجتماعي متحيّز للسلطة والمال! ألم يكن من الاجدى ان يخطئ قاتل علي المحروس ويُصيب الامير مشعل او سعود بن نايف. اي خطأ هذا؟! اي مصادفة تحملها كتيبة الاجرام ؟! هل هذه اول مرة ترتكب فيها قوات الشغب القتل والارهاب؟ ان دورهم في الاساس هو دور ارهابي من الطراز الاول ولا يمكن التخلّص من هذا الارهاب عبر السلم الطوباوي، بل عبر المواجهة والنضال جنباً الى جنب ضد نظام مبني على القتل والاجرام.

حادثة القتل حدثت في الشارع، والمقاومة ستحدث ايضاً في الشارع، والمجد للشارع.. ويسقط السفّاحين والقتلة المرتزقة في كل مكان، سنأخذ حقنا بأيدينا وندوس على رقاب الطغاة الأنجاس.. يومهم ليس ببعيد! انه بمسافة الثورة!! وهذه الدماء ستُعبّد لنا الطريق!

هوامش نظريّة

هناك فارق جوهري بين الممارسة الفدائيّة وبين الممارسة الثورية، يجب ان يُدركها كل مناضل في الحراك فتمجيد الشهداء وتخليد ذكراهم والمطالبة بالقصاص ممن اطلق الرصاص مُختلف كل الاختلاف عن الفداء والدعوى للموت واعتباره بأنه افضل خيار. ان الحياة هي خيارنا الاوّل وان الحراك له اهداف يجب ان تُحقق على ايدي الاحياء وليس عبارة عن مسيرة نهايتها الموت. ان السلطات تُحاول ان تُرهب الناس وتبيّن بأن الانخراط في الحراك هو جريمة وسينتهي المتظاهرون في المقابر. بينما رأينا كيف يتم اغتيال المناضلين بعيدا عن المظاهرة، ورأينا كيف تكون الجماهير اقوى عندما تتكاثر الحشود، فكانت المظاهرات الأكثر سلمية هي تلك المظاهرات الاكثر حشداً حينها اصبحت السلطة في موقفاً اضعف من السابق. ان الحراك هو دعوى للأمل والحياة والبقاء والتحرر ولا يُعتبر تحت اي حال من الاحوال دعوى للموت، انما الاغتيالات المنظّمة والاعتقالات التعسفية هي جريمة يجب ان نواجهها، ولن تنتهي الا عبر الثورة على النظام من اجل التغيير الجذري وتحقيق العدالة الاجتماعيّة.

إن الرؤية الاستعماريّة التي يراها الثوّار عندما يحللون وجود العائلة المالكة هي رؤية مغلوطة وتحتاج للمعالجة. فلا يوجد لدينا نظام مُستورد او جيوش اتت من الخارج لأحتلال المنطقة. يجب علينا فهم الصراع حيث يوجد صراعاً اقليمياً وطبقياً، نحن لا ننفي علاقة العائلة المالكة مع الامبريالية بل هي علاقة تاريخيّة وتحمل مشروعاً استبدادياً لا ننفيه بأي شكل من الاشكال. ان التطهير الطائفي قد يحدث بدون استعمار بل الغالب حدوثه تحت سلطة محليّة من دون الحاجة لوجود قوات مُحتلّة، وفي القطيف يوجد قوات ساهمت في تدمير وذبح وإقصاء وتهميش المدنيين تحت غطاء طائفي من دون الوجود الفعلي لقوى استعمارية، بل بوجود قوى استبدادية محليّة ترتكب هذه الجرائم، لماذا اذا هناك خطر كبير من هذه الرؤية التي ينتهجها العديد من الثوار في التعامل مع السلطة كما لو كانت دولة اخرى تجتاح هذا الاقليم؟؟ إنها اولا تريد تأبيد مزاعم خطر خارجي من اقليم آخر ونفي اي اشكاليّة في المجتمع القطيفي الراهن بمعنى: العائلة المالكة هي الخطر الوحيد! بينما نرى ابشع انماط الاستغلال والعلاقات الاجتماعية المرتبطة بين البرجوازية (الاثرياء القطيفيين) وبين الطبقة الحاكمة (والعائلة المتحكّمة والمحتكرة للثروات والموارد في البلاد). هذه العلاقة ليست خيانة مؤقتة والخلل فيها ليس خللاً شخصيا او عصابة باغية اتت فجأة للمنطقة بل هي ذات الطبقة التي شاركت في نهب ارض القطيف ومواردها عبر الاستغلال والاحتكار والظلم الذي يتعرّض له العمال والفقراء في القطيف، ثانيا ان هذه الرؤية تؤدي الى تكتّلات غير متجانسة وغياب النضال الحقيقي للتحرر، فتبقى القوى الرأسمالية المتحالفة مع السلطة في مأمن لأن الخطر خارجي، خارج الاقليم، وبزعمهم: "لا يوجد استغلال طبقي في الداخل" ، فتنتهي المسألة عند العبارة السحريّة: "هو استعمار!!! فلنوحّد جهودنا ضد العائلة المالكة!!!"، متناسين السلطة المتمركزة في البنوك والشركات وارباب العمل عبر استغلال الاغلبية الساحقة واضطهادها!

إن المغالاة في التمسّك بالهوية يُعيق النضال المشترك ويهدد روح التضامن بين شتى الطوائف التي تجمعهم وحدة الاضطهاد، ويُختزل الصراع في اقليم واحد وهذا بالضبط ما تريده السلطات: يريدون ان تتناسب تُهمة التخوين مع الطرح الثوري الطائفي بمغالاته في التمسّك بالهويّة. الآن فعلاً اصبحت التهمة في مكانها الصحيح بالنسبة لأبواق السلطة فتتجانس التهمة تجانس اليد مع القفّاز! اما التحرر الإقليمي عبر الاستقلال فهو استحالة نظراً لتوازن القوى الذي يميل لصالح "المحتلّ" والسلطة تمتلك كل ادوات التدمير مع فارق العتاد والخبرة العسكريّة، ومع ضعف الكثافة السكانيّة في القطيف تُحتّم ان يكون الحلّ فعلياً هو الانتفاضة العامة والاضراب العام لا النضال الاقليمي بحجة الاستقلال.

ان خروج العديد من الثوريين من دون اتباع التكتيكات اللازمة والحذر اللازم هو امر يُسيء للحراك ويُعرّض المناضلين للخطر. فلقد شاهدنا كيف اصبح المناضل الذي لا يلتزم بالحذر ضحية سهلة للأعتقال والخطف والقتل، نحن نرفض هذا التساهل لأننا نحتاج هؤلاء المناضلين البارزين الذين تم اعتقالهم او اغتيالهم في معارك حاسمة في المستقبل ولا ندعو بأي شكل من الاشكال الى حركة فدائية او نضال فوضوي، يجب ان نبقى احياء كي نرى عالماً افضل، سنخلقه بسواعدنا، وبنضالات رجالنا ونسائنا وشيوخنا وأطفالنا!

عاشت القطيف حرّة أبيّة.. والمجد للشهداء والحرية للمعتقلين، وكل التضامن مع الثوار المناضلين ضد الاستبداد في اي قطر من اقطار العالم!

فاطمة علي

المصدر‫:‬المنشور

مصادر

-  مدونة حقوق المرأة السعودية، دراسات واحصائيات عن العنف ضد المرأة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف.

-  تساؤلات حول التعنيف، هتون الرشيد، مايو 2013

-  المسألة الشيعية في المملكة العربية السعودية، حسن ابو طالب، 6\4\1430

Partager cet article
Repost0

commentaires